التخطي إلى المحتوى

رفيق خوري 

لبنان ومجلس الأمن يمارسان بالتفاهم خداع النفس في مسألة القوات الدولية منذ العام 1978. لبنان يتصرف كأن وجود قوات دولية في الجنوب عامل إطمئنان له في ضبط الصراعات والمخاطر التي لا قدرة له عليها. ومجلس الأمن يمدد للقوات التي جيء بها بموجب القرار 425 بعد اعتداء إسرائيلي، وبقيت بعدما انسحبت إسرائيل بقوة المقاومة مدعية تطبيق القرار، ويعززها بموجب القرار 1701 بعد حرب 2006. بيروت تعترض، بناء على طلب المقاومة الإسلامية بعد المقاومة الفلسطينية، على أي تغيير جذري في مهمة القوات الدولية لجهة التشدد والردع. والمجلس يعجز عن التوافق بين الأعضاء على تغيير المهمة، فيكتفي في كل تمديد بالدعوة الى قيام القوات بالمهمة الموكلة إليها من دون مضايقات بإسم “الأهالي”.

والكل يسلّم بالواقع، وإن كان البعض ينتقده. فلا القوات الدولية لعبت دور “الحاجز” بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. ولا هي تمكنت من وقف الإعتداءات الإسرائيلية والعمليات الفدائية أو حتى من الإجتياح الإسرائيلي الكبير للبنان عام 1982 والذي قاد الى إخراج منظمة التحرير من بيروت والجنوب. لا المقاومة الإسلامية التي عملت لتحرير الجنوب أصرت على سحب القوات الدولية. ولا “اليونيفيل” المعززة بعد حرب 2006 تمكنت من جعل منطقة عملياتها جنوب الليطاني خالية من المسلحين والأسلحة، ومن وقف الخرق الإسرائيلي للسيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً.

منذ القرار 1701 في العام 2006، ونحن نسمع في مجلس الأمن كما في بيروت إلتزام تطبيق القرار الدولي بكل مندرجاته. لكن لعبة الأمم لا تزال تحول دون الإنتقال من “وقف العمليات العدائية” كمرحلة أولى الى “الوقف الدائم لإطلاق النار والسلام المستدام” كمرحلة نهائية. والسؤال هو: ما الحاجة الى وجود “اليونيفيل” إذا صار لبنان “منصة صاروخية” لردع إسرائيل عن شن حرب على إيران، ثم لإزالة إسرائيل من فوق الخريطة في حال هاجمت الجمهورية الإسلامية، كما أعلن بوضوح قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي؟ ما معنى الجمع في لبنان بين مئة ألف صاروخ وبين قوات دولية يمنع “الأهالي” قيامها بما يزعج المقاومة؟

لا أحد يقدم أجوبة، وسط الإستمرار في التفاهم على خداع النفس. ولا شيء يوحي أن مخاطر الذهاب الى حرب عبر التلويح بورقة القوة في معركة ترسيم الحدود البحرية صارت وراءنا بالفعل. وما دام تحرير فلسطين جزءاً من مشروع “محور المقاومة” بقيادة إيران، حيث “حزب الله” هو القوة الأساسية، فإن التحرير يحتاج الى ما يتجاوز القصف الصاروخي، وبالتالي الى إخلاء الجنوب من القوات الدولية. لكن الظاهر أن اللعبة مختلفة.

كان سن تزو يدعو الى ما سماه “الجسر الذهبي لتراجع العدو”. لكن “اليونيفيل” ليست الجسر الذهبي للتقدم نحو العدو.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *