التخطي إلى المحتوى

لا تزال “السيناريوهات” الغامضة والمبهمة، وربما المقلقة، تحيط بمرحلة ما بعد 31 تشرين الأول المقبل، اليوم الأخير من ولاية الرئيس ميشال عون، وهو الذي يفترض أن يغادر القصر الجمهوري في نهايته، “إذا كان يومًا طبيعيًا”، وفق تصريحه الأخير الذي أثار جدلاً واسعًا وضجّة أوسع في الأوساط السياسية، وفتح الباب أمام “فوضى” في التفسيرات والتكهّنات حول ما يمكن أن يكون “غير طبيعي”، وتداعيات مثل هذا الأمر بصفة عامة.

 

وقد يكون كلام النائب نديم الجميل “معبّرًا” في دلالاته في هذا السياق، حين قال تعليقًا على السجال حول بقاء الرئيس ميشال عون في بعبدا أو مغادرته القصر، إنّه “أصلاً غير موجود في بعبدا ولا في ضمير هذا الوطن”، ملوّحًا بـ”قبعه” في حال اختار البقاء، وهو تصريحٌ عرّضه لـ”سهام” جمهور “التيار الوطني الحر” ونوابه، الذين اتهموه بـ”خيانة” ذكرى والده، وذهب بعضهم لحدّ وصفه ببعض النعوت القاسية والجارحة.

 

لكنّ كلام الجميّل، معطوفًا على تصريح عون، وبينهما كلّ “التلميحات” التي تخرج على لسان رئيس “التيار الوطني الحر” وغيره من القيادات “العونية” عن “تصعيد” في الشارع أو غيره، قد يواكب انتهاء الولاية الرئاسية، يثير الكثير من علامات الاستفهام عن “مجهول” يمكن أن تكون البلاد ذاهبة إليه، خصوصًا في ظلّ مخاوف مشروعة وحقيقية من “صدامات طائفية”، وتحديدًا “مسيحية-مسيحية”، بدأ التلويح بها في بعض الأوساط.

 

خطورة “لعبة الشارع

قبل نحو شهر ونصف من موعد انتهاء الولاية الرئاسية، عاد الحديث في أكثر من مكان عن “لعبة الشارع”، فثمّة في “التيار الوطني الحر” من يلوّح بها، إما “دعمًا” للرئيس ميشال عون، أو حتى لمطالبته بالبقاء في بعبدا بوصفها “قصر الشعب”، وتشكيل “حصن حماية” له في حال الفراغ الكامل، تلويحٌ يردّ عليه خصوم “التيار” بالتحذير من تصعيد “مضاد” من أجل إخراج الرئيس من القصر، ولو “بالقوة”، وتحت ضغط الشارع، تطبيقًا للدستور.

 

الثابت، بحسب ما يقول العارفون، أنّ كلّ الملوّحين بـ”لعبة الشارع”، والمتحمّسين لها بهذا الشكل “المريب”، في بعض جوانبه، لا يدركون جوانبها “الخفية والخطيرة”، إذ إنّها، في حال وقوع الفراغ، قد تكون “الوصفة المثلى” للفوضى والخراب وربما ما هو أبعد منهما، كأن تستحضر “سوابق تاريخية” انتقل الخلاف السياسي معها إلى الشارع، وتسبّب باقتتال طائفي، أدخل البلاد في حرب طاحنة ومدمّرة على أكثر من صعيد.

 

ويشدّد المتابعون على أنّ ما يزيد من حجم الخطورة يكمن في أنّ الشارع “معبَّأ” أصلاً نتيجة الأزمات السياسية والاقتصادية المتفاقمة، والتي يعزّزها “جنون الدولار”، الذي عاد ليلامس مستويات قياسية غير مسبوقة في الساعات الأخيرة، على وقع رفع الدعم الكامل عن المحروقات، وفي وقت يُخشى أن تتحول “ظاهرة” اقتحام المصارف لاسترداد الودائع المالية إلى “روتين” يقول كثيرون إنّه سيتكرّر، بل قد يصبح “مشهدًا يوميًا“.

 

الحلّ بالسياسة!

استنادًا إلى كلّ ما تقدّم، يقول العارفون إنّ الحلّ لا يمكن أن يكون سوى في السياسة، تفاديًا لأيّ “مغامرات” غير محسوبة، قد لا تفضي حتى إلى تحقيق “مكاسب سياسية آنية” يطمح إليها بعض الخائفين من انتهاء دورهم مع نهاية “العهد”، علمًا أنّ “المزايدات” التي بدأت تبرز خصوصًا في الساحة المسيحية في الأيام القليلة الماضية، تضرّ أكثر ممّا تنفع، وهو ما يجب على المعنيّين بها إدراكه، لتدارك التبعات الناجمة عنها قبل فوات الأوان.

 

من هنا، قد يكون كلام رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي بعد لقائه الأخير الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا أكثر من مفيد، حول نيّته أن يكون الاجتماع المقبل بعد عودته من الخارج “ماراثونيًا”، بحيث لا ينتهي إلا بتصاعد الدخان الأبيض من خلال تشكيل الحكومة، لانّ التأليف وحده يمكن أن ينزع “اللغم” الذي يتذرّع به البعض في مزايداته، من أجل التصعيد والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور بمعزل عن كلفتها على البلد.

 

رغم ذلك، تبقى الخشية من إصرار البعض على نهج التعطيل والشروط المسبقة لمنع التأليف الحكوميّ، وهو النهج الذي بدأ منذ اليوم الأول لتكليف الرئيس نجيب ميقاتي، حين كان بالإمكان تأليف حكومة، تحظى بالوقت الوافر لإعداد برنامجها والحصول على ثقة البرلمان، لكنّ الكرة سترمى عندها في ملعب هذا الفريق الذي سيتحمّل مسؤولية “تضييع الفرصة”، وبالتالي كلّ التداعيات التي يمكن أن تنجم عن ذلك على أكثر من صعيد.

 

خلافًا لما يعتقده كثيرون، فإنّ “لعبة الشارع” لا يمكن أن تكون في صالح أيّ فريق على حساب آخر، ليس لأنّ لكلّ شارع في لبنان شارعًا مضادًا فحسب، وهي حقيقة واقعة يدركها القاصي والداني، ولكن قبل ذلك، لأنّ الشارع متى “انفجر”، لن يوفّر أحدًا من تداعيات “احتقان”، قد يعرف البعض كيف يبدأ، لكنّ أحدًا لن يستطيع التكهّن بنهاياته، إلا إذا كان البعض راغبًا بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وهنا الخشية الأكبر!

 

 

 

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *