التخطي إلى المحتوى



لبنان وترسيم الحدود البحرية

في زيارته الأخيرة لبيروت، حمل معه الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين تفاؤلا حول إنجاز 95% من الاتفاق المرتقب لتقسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. وأبلغ الرؤساءَ الثلاثةَ (رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي) بأن إسرائيل مستعدة لتوقيع الاتفاق، لكن شرطها أن يحسم لبنان موقفَه من مطلبها الخاص بالمنطقة القصيرة الممتدة براً نحو البحر، والتي تعرف بـ«خط العوامات». وأكد هوكشتاين بأن تل أبيب ليست مستعدة للتخلي عن هذه النقطة التي تهدد الساحل الشمالي، وهي تهدف إلى توفير مساحة أمنية لحماية «مصالحها السياحية». وموحياً بأن ذلك لا يفرض على لبنان تنازلات كبيرة، خصوصاً بعد موافقة إسرائيل على التنازل عن كامل الخط 23 واعتبار «خط قانا» ملكيةً لبنانيةً كاملةً. 
وبناءً على طلب الرئيس عون تسلّم لبنان خرائط حول الإحداثيات الخاصة بالطرح الجديد، والذي أطلق عليه «الخط الأزرق البحري»، وأحيلت بكاملها إلى قيادة الجيش لدراستها ومعرفة حجم تأثيرها على خط الحدود البحري. وبينما لا يزال الكلام يتكرر داخل إسرائيل عن تقدم أحرزه هوكشتاين خلال زيارتيه لتل أبيب وبيروت، يبدو أن الانقسام داخل لبنان سيبقى قائماً بانتظار نتائج الاتصالات بين المعنيين بالملف والاتفاق على جواب واحد، مع الأخذ في الاعتبار تحذيرات جدية سمعها المسؤولون، وخلاصتها أن الذرائع الأمنية للجانب الإسرائيلي لا يمكن اعتبارها أساساً لرسم الحدود، وأن على لبنان ضمان كامل حقوقه وترك ملف الترتيبات الأمنية إلى ظروف أخرى.
ونظراً لأهمية مفاوضات الترسيم، وخطورة تداعيات عدم التوصل إلى اتفاق، وبما يهدد بحرب عسكرية مدمرة، تدخل الرئيس الأميركي جوبايدن بشكل شخصي، من خلال محادثة هاتفية جمعته مع رئيس وزراء إسرائيل يائيرلابيد، ومشدداً على أن هذا الملف «مهم وملح»، ومؤكداً على «أهمية إتمام المفاوضات خلال الأسابيع المقبلة، وأن عدم الاتفاق، قد يؤدي إلى عواقب وخيمة في المنطقة». وفي الوقت نفسه نقل موقع «أكسيوس» الأميركي عن مسؤول في البيت الأبيض قوله بأن حل النزاع البحري بين إسرائيل ولبنان يمثل أولوية رئيسية لإدارة الرئيس بايدن. مع الإشارة إلى أن الاستخبارات الأميركية حذّرت إسرائيل من تحضيرات جدية للحرب في الحدود اللبنانية.
ويهدف استعجالُ بايدن توقيعَ الاتفاق إلى تحقيق أمرين: الأول؛ تجنب حرب عسكرية مدمرة،، خصوصاً بعد التهديدات والتحذيرات المتبادلة، ويوفر أجواء هدوء واستقرار بما يسمح للشركات باستثمار الغاز والنفط في البلوكات البحرية المتفق عليها. ثم يتحقق الأمر الثاني لجهة الإسراع باستخراج غاز «كاريش» وتصديره إلى أوروبا، لاسيما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أبدى استعداده لتعويض 10% من واردات الغاز الروسي إلى أوروبا، مع العلم بأن الشركة اليونانية «إنرجيان» تلتزم المباشرةَ بالإنتاج والبيع في أكتوبر المقبل. 
وهكذا تتحقق مصالح أميركا وإسرائيل وأوروبا والشركات المتعاقدة. أما بالنسبة للبنان الذي يكون قد وقّع اتفاقَ الترسيم، فإن استفادته ستتأخر ربما عدة سنوات، رغم حاجته الملحة لاستثمار بلوكاته البحرية في جنوبه وشماله، بسبب عجز ماليته وانهيار اقتصاده. ووفق تقارير فنية واقتصادية، فإن عملية الاستكشاف تستغرق من 5 إلى 10 سنوات، والإنتاج من 25 إلى 30 سنة. ومع استعداد شركة «توتال» الفرنسية للبدء بالعمل في البلوك 9 فور توقيع اتفاق الترسيم، فقد سبق أن أعلنت أن الاستخراج لن يبدأ قبل عام 2029، على أن يتخذ الكونسورتيوم الذي يضمها مع شركة «إيني» الإيطالية والشركة الجديدة التي يرتقب أن تحل محل الشركة الروسية «نوفاتيك»، التي انسحبت مؤخراً، القرار الاستثماري النهائي تبعاً للجدوى التجارية.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *