التخطي إلى المحتوى

 

د. إيمان شويخ

” عند الإمتحان يُكرم المرأ أو يهان”

هكذا بدا حال الجلسة الأولى التي انعقدت أمس (الخميس) لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، فالامتحان الأول هو إظهار حسن النية والقدرة أمام المجتمع الدولي وخاصةً السعودية وأمريكا وفرنسا عرابي هذا الاستحقاق، والقدرة على الالتئام تحت قبة البرلمان لممارسة الاقتراع لانتخاب رئيس جديد يريد الخارج من خلاله إيصال مرشح لا يشبه الرئيس الحالي ميشال عون لا بل يقف على الضفة المضادة، والسبب الأول هو تحالفه مع “حزب الله” واعتبار أن الأخير استفاد من وجود شخصية مارونية مطواع في هذا المنصب الأساسي.

وبالتالي فإن حرص الخارج وخاصة واشنطن هو التأكد من أن الرئيس الحالي ميشال عون سوف يترك قصر بعبدا في 31 تشرين الأول، فأميركا لا تريد لحليف حزب الله الماروني أن يبقى في القصر الرئاسي، والسعودية كذلك، أما حزب الله وبالرغم من عدم تحبيذه وصول شخصية مارونية غير حليفة إلى الرئاسة إلا أن موقعه في المعادلات الدولية والإقليمية تخطى موقع رئاسة من هنا، أو حلف مسيحي من هناك، وهو بات قوة دولية يُحسب لها ألف حساب.

أما الامتحان الثاني في الجلسة المنعقدة في ساحة النجمة، فأتى من خارج الكتاب، لا كتلة سياسية كانت “محضرة” ولا نائب كان “مراجعاً” لكيفية التعامل مع جلسة تحصل أمام ملايين المشاهدين، فصحيح أن التوافق كان صعباً بين القوى التي كانت تضع مواصفات عالمية في الفترة السابقة للجلسة، إلا أن الرسوب في هذا الإمتحان جاء بطريقة الاستعراض التي ينتهجها بعض النواب لجذب الانتباه، وعرض العضلات، و”طق الحنك” وكما قال رئيس مجلس النواب نبيه بري: “شو فاتحين قهوة هون” مضيفاً لأحد نواب الكتائب (نديم الجميل): “مابيخلوك تحكي بحزبك بتجي بتحكي هون” أي في الجلسة النيابية، وكأن هؤلاء أي النواب غاب عنهم أن أكثر من مليوني لبناني باتوا تحت خط الفقر، وهم يريدون حلولاً تنقذهم من أتون جهنّم الأزمات المتلاحقة.

إذاً، فإن القوى السياسية بدت متفاجئة بدعوة الرئيس نبيه بري نهار الثلاثاء (27 أيلول) لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية التي انعقدت أمس (الخميس)، فكانت الدعوة إلى جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية “الإختبار” الحقيقي لمدى جهوزيتها لهذا الإستحقاق، حيث تبين أن غالبيتها كانت “مصدومة”، وكأن المهلة الدستورية لم تبدأ منذ ما يقارب الشهر.

وعُقدت يوم أمس (الخميس) الجلسة الأولى لانتخاب رئيس جمهورية للبنان قبل حوالي الشهر على انتهاء ولاية الرئيس الحالي ميشال عون الذي تنتهي ولايته في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2022

ولقد حضر الجلسة 122 نائباً من أصل 128 نائباً علماً أن النصاب القانوني المطلوب لانعقاد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية هو أكثرية ثلثي أعضاء البرلمان.

أما المرشح لرئاسة الجمهورية فهو يحتاج في الدورة الأولى للثلثين أي 86 نائباً، أما في الدورة الثانية فالمطلوب هو الأكثرية المطلقة أي النصف زائداً واحد أي 65 صوتاً فقط هذا إذا فتحت.

وبعد انتهاء فرز الأصوات في الجلسة جاءت النّتائج على الشّكل الآتي: 63 ورقة بيضاء، 36 ميشال معوض، 11 سليم إده، 10 لبنان، 1 مهسا أميني، 1 نهج رشيد كرامي.

ولم تسم كتل الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) و التيار الوطني الحر والطاشناق والمستقلين الذين يدورون في فلكهم (63 صوتاً) أي مرشح بل اكتفوا بوضع ورقة بيضاء وهم الذين يؤيدون ترشيح رئيس حزب المردة سليمان فرنجية، في حين صوّت الحزب الاشتراكي والقوات وبعض المستقلين للنائب ميشال معوض (36 صوتاً) مقابل تصويت نواب «التغيير» (10) منهم، للمرشح سليم إده الذي تبنّت ترشيحه فرنسا.

أما الأصوات الأخرى فصوت النائب عبد الكريم كبارة بورقة تحمل عبارة «نهج رشيد كرامي» وهي أيضاً ملغاة، مثلها مثل الورقة التي حملت اسم الإيرانية مهسا أميني ويرجح أن صاحبها النائب أشرف ريفي رغم إعلانه قبيل الجلسة أنه سينتخب معوض.

وهذا يعني أن القوى الراعية لهذا الاستحقاق السعودية-أميركا-واشنطن كانت حاضرة بقوة في الاستحقاق، وخاصة السعودية التي تدعم ميشال معوض، على أن تتظهر قدرات القوى الخارجية الأخرى في الجلسات المقبلة.

أما الورقة البيضاء فقد تكون هي المعبرة فعلاً عن هدف الجلسة والذي يشير إلى فتح صفحة بيضاء في استحقاق رئاسة الجمهورية للخارج والداخل، وفتح صفحة بيضاء في عهد جديد قد ينال ثقة الداخل والخارج على حد سواء.

غير أن هذه الجلسة عملت على تموضع القوى السياسية وكيفية تحركها في الأيام المقبلة، ولكن كل ذلك يبقى دون جدوى إذا لم يتم تأمين الأصوات لمرشح واحد وهو ماقد تسعى إليه واشنطن التي غاب مرشحها وحضرت قدرتها على عدم تأمين الأصوات وبالتالي القدرة على تعطيل النصاب، وتأكيد الشراكة الكاملة في إنجاز الاستحقاق الرئاسي.

وقد يكون إصرار واشنطن على البت في ملف الترسيم الحدودي البحري إشارة إلى رغبتها في إنجاز الاستحقاق الرئاسي لتأمين حسن سير ملف الغاز، أو ربما العكس، أي إنجاز الانتخابات الرئاسية لتغذية ملف الترسيم.

وعليه فإن جلسة جس النبض كانت اختباراً واضحاً لموازين القوى الداخلية والخارجية، وكشفت حجم التوجهات الخارجية حيال الاستحقاق الرئاسي، وهي حجر الأساس الذي ستنطلق منه المشاورات بين الكتل النيابية للتوصل الى رئيس توافقي، وهنا كان لافتاً قول رئيس المجلس رداً على سؤال عن موعد الجلسة المقبلة «اذا لم يكن هناك توافق وإذا لم نكن 128 صوتاً لن نتمكن من إنقاذ المجلس النيابي ولا لبنان. وعندما أرى أن هناك توافقاً سوف أدعو فوراً الى جلسة وإذا لا فلكل حادث حديث.»

على أية حال فإن صورة الرئيس الجديد لم تظهر بالأمس، وولادته قد تتعسّر وقد يحتاج إلى عملية قيصرية تدخل فيها معدّات داخلية – خارجية، وقد تتخطى تشرين الأول، وتسعة أشهر، وربما سنة، والمقرِّر قد لا يكون في لبنان، وبانتظار أن تأتي كلمة السر، فإن من دخلوا قاعة الاقتراع بالأمس بدأو يتهيأون نفسياً ليأتي رئيس الجمهورية على حصانه الأبيض، ولكن لا أحد يعلم من أي اتجاه سيأتي، ومن يقول أنه يعلم، هو حتماً واهم، لأن لا أحد سوى الله يعلم كيف تسير التسويات في لبنان.

صحافية وكاتبة سياسية

Print This Post

ترحب ‘راي اليوم’ بآراء الكتاب وتأمل ان لا يزيد المقال عن 800 كلمة مع صورة وتعريف مختصر بالكاتب

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *