التخطي إلى المحتوى

من “الثلاثاء الأسوَد”، الى “سوء أداء ومراهقة سياسية”، إلى “تفرق النواب” و”إعلان الانشقاق”، احتارت مقدمات نشرات الأخبار المسائية، ليل الثلاثاء، في توصيف واقعة انفراط كتلة “نواب التغيير” التي عصفت بها الخلافات منذ الأسبوع الاول، وتأرجحت في استحقاق انتخاب نائب رئيس المجلس، واللجان النيابية، وتسمية رئيس جديد للحكومة، واهتزت في واقعة الدعوة لعشاء السفارة السويسرية وما تلاها من اصطفافات، وانفجرت في انتخابات هيئة مكتب المجلس واللجان الثلاثاء. 

يقيم نواب التغيير تحت ضغط الانتقاد الشعبي، منذ اليوم الأول، والآن شماتة أنصار الأحزاب، ووصاية الإعلام. وإذا كان الضغط الأول مبرراً، لشعور البعض بالخذلان ونهاية تجربة عوّل عليها كثيرون لتغيير شيء ما في النظام، فإن الشماتة الحزبية هي تحصيل حاصل تسعى لتعميم تجربة الفشل الماثل منذ 30 عاماً، وتبرير ما ترتكبه الأحزاب من تسويات وصفقات، دفعت اللبنانيين الى ما دون خط الفقر ورفعت نسبة البطالة الى ما يزيد عن 45%، حسب أحدث تقرير لمنظمة العمل الدولية. 

لكن المؤشر الأقسى، هو المعالجة الإعلامية لتجربة اهتزت على وقع الحسابات السياسية والتشظي بين المحاور. تخطى التوصيف الإعلامي مبدأ الانتقاد. وفيما وصفت “أل بي سي” في مقدمتها تطور الثلاثاء، بـ”الثلاثاء الأسوَد”، ما يعني اعلان وفاة تجربة التغيير، فإن “أم تي في” حاولت توجيه النواب بلهجة “وصاية”، هي في الواقع يفترض أن تكون مرفوضة، وتضع أجندة لهم للبحث عن توافقات داخل النظام، بالسؤال: “هل من اقترع لنواب التغيير يريدهم أن ينكفئوا وأن يقتصر عملهم على الخُطب داخل المجلس وخارجه؟”

والسؤال الأخير، هو مثار انقسام في مواقع التواصل بين مؤيدين للتغيير، وناخبين لتكتل الـ13 الذي انفرط عقده الثلاثاء. هل يجوز لنواب التغيير الدخول في تسويات مع الأحزاب الممثلة في البرلمان، بما يتيح لهم المعارضة في الداخل؟ أم عليهم الانكفاء والإحجام عن أي تسوية؟ 

لم يبقَ النواب على تماسكهم، ولم يتوصلوا الى موقف مشترك حيال هذا السؤال الاستراتيجي الذي يهدد هويتهم. وتخطى بعضهم هذا الجانب الى الاستعجال بدخول السيستم، بأي طريقة، والتماهي معه بما يفوق مبدأ المعارضة من الداخل. ثمة طامحون لمواقع سياسية، ولاكتساب صفة السياسيين التقليديين. وثمة نواب يولون أهمية لمبدئية العمل السياسي، بما يحاكي نبض الشارع، ولعل ابراهيم منيمنة مِن هؤلاء. وثمة آخرون، يعتنقون مبدأ الحياد السلبي، والرهان على ممارسة المعارضة السلبية التي لا تقدم ولا تؤخر في أي استحقاق يمكن أن يساهم في التغيير. 

ما جرى، عملياً، هو ابتلاع النظام لمعارضيه. أقصى النظام مَن يخالفونه، وقدم لهم عروضاً مهينة، بالدخول اليه مقابل تسوية تستجر تسويات. ما عرضه رئيس مجلس النواب لجهة تمثيلهم، من حصة كتلته، تعويضاً عن رفضهم التسوية الأولى، بنائب حدد اسمه (ملحم خلف)، هو عرض مُذلّ حكماً، لكنه ردّ في وجه الاعتراض على الاقصاء، بعد فشل عرض التوافق! وهل يحق لرافض العرض أن يعترض على إقصائه في انتخابات لا يمتلك فيها أكثرية؟!

الحال أن السيستم غير قادر على تعويم معارضة، إلا بحدود وسقف يحدده لهم. لا التأثير في الداخل سيكون مجدياً، ولا في خارجه، من غير كتلة وازنة عددياً. غير أن هذا الواقع، لا يمكن الاذعان له لو كانت هناك إرادة حقيقية خارجة عن التشظي بين المحاور، والحسابات الشخصية لبعض النواب، والاصطفافات بين المتناقضات.

يُحكى كثيراً عن “احتواء” المحاور المتصارعة لبعض نواب التغيير، ضمن سياسة “العصا” في تهديد مستقبلهم، و”الجزرة” في صياغة حاضرهم، وهو موضوع لا يحتاج الى التبصير للتعرف اليه. فمَن يتابع التصريحات والمواقف، يدرك حجم الخروق والمغريات، ما يؤشر الى نهاية كان ميشال الدويهي الأجرأ في إعلانها وانتشال نفسه من مياهها الآسنة، بانتظار تشكُّل معالم الاصطفافات قريباً.. وليس الاستحقاق الرئاسي ببعيد.
  

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *