التخطي إلى المحتوى

لكبيرة التونسي (أبوظبي)

سارة إبراهيم شهيل، المدير العام لمركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية «إيواء»، التابع لدائرة تنمية المجتمع في أبوظبي، ملأت بحضورها الاجتماعي على مدى أكثر من ربع قرن كل ما يعزِّز القيم النبيلة كسبيل للخلاص من المشاكل. ترى أن عودة الأسرة الممتدة فيها صلاح المجتمع، وتعمل على حل مختلف الحالات بنفسها، وأولى اهتماماتها لمّ الشتات ومداواة جروح المقهورين. بصماتها في الواقع الإماراتي واضحة، تعطي وتقدم وتَهِب، ولطالما علَّمت في قاعات مدرستها أن حب الوطن يكمن في خدمته والتفاني بالعطاء. 
في حديثها لـ «الاتحاد» أكدت سارة شهيل ابنة الإمارات البارّة بوطنها ومجتمعها، أن ضم المركز إلى دائرة تنمية المجتمع كان نقطة تحوّل في مسيرة التنمية التي دشّنها منذ انطلاقته، وبعدما كان دوره يقتصر على تقديم الرعاية والمأوى الآمن والتمكين للناجين من جرائم الاتجار بالبشر، اتسع ليشمل ضحايا العنف والإيذاء. وقالت: تكللت جهود المركز بانطلاق مسيرة جديدة مع دعم أكبر من القيادة الرشيدة وحصولنا على المزيد من الصلاحيات في مراحل تمكين الإنسان. والمركز يستقبل فئات العنف والإيذاء في أبوظبي والاتجار بالبشر في الدولة، وهذا التوسع كان ثمرة العمل المخلص بعد تحقيق العديد من الإنجازات والخدمات الشاملة، بما فيها الإبلاغ عن الحالات عبر الخط الساخن 8007283 أو قنوات التواصل الاجتماعي ewaa.abudhabi@ أو البريد الإلكتروني [email protected]، والإحالة من السفارات ودور العبادة والشركاء الاستراتيجيين. ويستقبل المركز الحالات في دور الإيواء التابعة له، مع تقديم الدعم والتأهيل الاجتماعي والعلاج النفسي من قبل الاختصاصيين، وكذلك الاستشارات القانونية وخدمات التمكين بأشكاله، بما يتضمن عمل دراسات وبحوث لتقديم المساهمات المجتمعية.وأضافت: يعمل المركز على تمكين المستفيدين عبر مجموعة من الحلول التشريعية والتنفيذية والقضائية، ضمن أفضل الممارسات العالمية على صعيد الخدمات، وتحقيق الأثر الاجتماعي، وبناء الشراكات، والأبحاث والدراسات، وتطوير القدرات المؤسسية، فضلاً عن مواصلة جهوده النبيلة في تحقيق رسالته الإنسانية عبر توفير المأوى الآمن والرعاية الصحية والنفسية لضحايا الاتجار بالبشر والعنف الأسري وأشكال العنف.

تمكين
وتؤمن سارة شهيل بأن وجود الإنسان مرتبط برسالة يؤديها ومسؤوليات ينهض بها، وأن أثره في المجتمع خير ثروة يمتلكها، لافتة إلى أن حب الوطن يكمن في الوفاء والإخلاص بالعمل وأن الانخراط في وظيفة ذات طابع إنساني، يدفع الموظف إلى الشعور بالآخرين وإيجاد الحلول. وكل حالة تُعرض عليها تسعى إلى دراستها مسخرة كل ما تملكه من أدوات، وبالرغم من تأثرها، فإن طبيعة عملها تفرض عليها أن تتعامل بحزم ومرونة وعدم تغليب العاطفة. وهي الأم والمرشدة والمعلمة والقائد والموجهة والناصحة الأمينة، التي رسّخت فيمن حولها روح التضحية وصقلت عقولهم على حب الوطن ونقاء الضمير وسلامة السريرة، مؤكدة أن المسؤولية التي تقع على عاتقها، تجعلها تسعى ليلاً ونهاراً لتصويب الحالات الناجمة عن أشكال العنف والإيذاء، التي قد يتعرض لها مواطنون أو مقيمون داخل نطاق الأسرة. وترى أن التوعية تشجع الناس على عرض قضاياهم الأسرية، إذ يستقبل المركز رجالاً تعرضوا للعنف على يد النساء، وأطفالاً يعانون من الإهمال، ويقدم العديد من الخدمات كالمحاضرات وورش العمل الفنية، وتوعية المجتمع ودعم المبادرات، وإقامة معارض لأعمال الضحايا، والمشاركة في مختلف المناسبات وإظهار الكفاءات الشابة. 

لماذا العنف؟
أوضحت شهيل أن العنف موجود منذ الأزل في مختلف المجتمعات، ويشهد في الآونة الأخيرة تفاقماً بسبب الكثير من المعطيات ومنها وسائل التواصل الاجتماعي، وغياب القيم، والتفكك الأسري، مشددة على ضرورة تعزيز الموروث الثقافي الجميل، المتمثل في السنع، وعودة الأسرة الممتدة، ضمن شروط، بحيث لا يتدخل الآباء في خصوصيات الأبناء المتزوجين إلا بما يحتَّمه التوجيه والإرشاد، حتى لا تسود السلطة الذكورية، مع إعادة النظر في أسلوب تربية الأبناء والبنات، وتعزيز دور الرجل في حياة الأسرة. وقالت: تهتم كوادرنا المؤهلة بالتعامل مع مختلف الحالات، وتضم اختصاصيين نفسيين واجتماعيين وإكلينيكيين وقانونيين، كما أن الكثير من الحالات تُحل ودِّياً بنسبة 100%، وبسرية تامة تجنباً من الوصول إلى ردهات المحاكم، في حين يستعصي حل بعض الحالات التي يطلب أصحابها تحويلها إلى إجراء قانوني، ويكون هدفنا جمع شمل الأسرة وعدم تشتت الأبناء.

رسالة للمجتمع 
اكتسبت سارة شهيل صفات الحزم والجديّة والريادة في محيطها العائلي والاجتماعي، ونالت محبة الجميع واحترامهم وتقديرهم، وهي تعطي من كل قلبها ولا تتأخر عن خدمة وطنها، باقتراحاتها وعملها الدؤوب، مؤكدة أن الأخلاق هي مقياس التفاضل، وأنه لا فرق بين الناس إلا بمقدار الالتزام بهذا المعيار، وأن التعامل بين الأفراد يجب أن يقوم على أسس إنسانية بعيداً عن اللون أو العرق أو الجنس. وقد آمنت بأن تعليم المرأة يفتح المجال أمامها للاختيار في حياتها، وهو حصانة لها؛ إذ ينير طريقها لتسهم في تنمية مجتمعها ورفعة وطنها. 
وقالت: المرأة الإماراتية تحظى بفرصة ذهبية، حيث تتلقى الدعم لتكون في الريادة، كما أن تمكينها يشمل كل المستويات، بدءاً بالقيادات النسائية المشرفة على مستوى القطاع الاجتماعي، ونسبة السيدات بين الموظفين في مختلف القطاعات. والمرأة هي الشريك الاستراتيجي الداعم، في الشرطة والنيابة والقضاء والسفارات والمستشفيات وسواها من المجالات، لكونها الموظفة المتفانية التي تدرك رسالتها الإنسانية حيث تركت بصمتها في كل مكان، وضمن وطن عظيم يقدِّر مكانة المرأة ويعمل رجاله على صون مكتسباتها.

دعم لا محدود
وأوردت شهيل أن مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية تأسس عام 2008، بدعم وتوجيهات من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، الرئيس الفخري للمركز «أم الإمارات». وقالت: تشرفنا باستقبالها على مدار السنوات لتفقد أحوال الحالات التي يرعاها المركز وتقديم سبل الدعم المادية والمعنوية. ولأن سموها رائدة العمل الإنساني في الدولة، ألهمتنا منذ البداية بفكرها وإيمانها بالمرأة الإماراتية وأهمية ترسيخ دورها في شتى القطاعات. ويعمل المركز على الاستثمار في مؤهلات المرأة الإماراتية التي تمثل اليوم 80% من قياداته. 
وعن تجربتها الطويلة في خدمة القضايا الإنسانية قالت: عندما أقَيِّم هذه المسيرة، أشعر بالرضا والفخر لأنني وأسرة «إيواء» وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. وبالرغم من التحديات، حيث بدأنا بـ 9 موظفات، وكان عملنا مقتصراً على رعاية حالات الاتجار بالبشر، ومع مرور السنوات، اتسعت صلاحياتنا، وأصبحنا أسرة مؤلفة من 79 شخصاً. وكان عامنا الحالي حافلاً بالأحداث من توقيع الاتفاقيات مع عدد من شركائنا الاستراتيجيين، ومنها الشركة الوطنية للضمان الصحي – ضمان، وهيئة الهلال الأحمر الإماراتي، وإطلاق الحملات مع شرطة أبوظبي ودائرة تنمية المجتمع، وبحث سبل التعاون مع السفارات والمنظمات الدولية، وتنظيم فعاليات التوعية بحقوق الطفل والمرأة والفئات المستضعفة، ومازالت الإنجازات مستمرة. 

  • من أعمال نزلاء «إيواء»
    من أعمال نزلاء «إيواء»

منحة العمل الإنساني
وذكرت سارة شهيل أن أعظم هبة يمنحها العمل الإنساني للمرء، هي تغيّر نظرته للأمور وتحقيق توازنه الفكري، وقالت: بعدما كنت أعمل في مجال التعليم سابقاً، أضاف لي العمل في المجال الإنساني نظرة أقرب إلى أحوال الناس وآلامهم وآمالهم، ودائماً ما تلهمني مشاهدتهم ينعمون بالقوة بعدما كانوا في أشد حالات الضعف، ما يحثني على التعاطف مع الآخرين لأنني لا أدري كمّ الصعوبات التي مر بها كل فرد أتعامل معه.
ولطالما قدمت سارة شهيل الدعم لكل امرأة آمنت بقدراتها، مؤكدة أن المسؤولية التي تقع على عاتق النساء كبيرة إلى جانب الرجل لإنجاح مسيرتها الشخصية والأسرية والاجتماعية، قائلة: الشابات الإماراتيات مصدر فخر واعتزاز لوطنهن، وأنا على ثقة بأنهن مدركات لحقوقهن وواجباتهن، ورسالتي لكل شابة هي: استمري، فأنت نموذج يُحتذى به لتمكين المرأة، وتسيرين على الدرب الصحيح بدعم من قيادتنا الرشيدة ومجتمعنا الأصيل، وأنتِ قوية وقادرة على تحقيق طموحاتك.

حالة صعبة
كثيرة هي حالات العنف والإيذاء التي تتعامل معها سارة شهيل وتترك أثراً فيها، وأصعبها كانت لأطفال مهمَلين تتراوح أعمارهم بين 3 و8 سنوات وُجِدوا في بيت بمفردهم من دون أب وأم، وهي حالة وصلت إلى المركز عن طريق بلاغ من أحد الأشخاص. وقد تم إيواؤهم لمدة سنتين، وتلقوا بعدها الرعاية اللازمة. 

تحديات
تتميز سارة شهيل بقوة الشخصية، وطبيعة عملها تفرض عليها الكثير من التحديات، وترى أن التعامل بشكل مباشر مع حالات مؤثرة كالعنف والإيذاء والاتجار بالبشر، يحرك في الإنسان مشاعر متناقضة، ما يتطلب توازناً وتماسكاً لاتخاذ القرارات الحكيمة. وهي كقائدة، تنظر إلى الأمور بإيجابية، وتعي أنه ما من مجتمع يخلو من العنف، وأن الواقع الأمثل يتحقق في وطن يدرك قيمة الإنسان ويسعى دائماً لرعايته وتمكينه، كما هو الحال في دولة الإمارات.

مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية 
مركز «إيواء»، جهة غير ربحية، عُرف سابقاً باسم مركز أبوظبي لإيواء النساء والأطفال. عمله الإنساني بدأ باستهداف ضحايا الاتجار بالبشر في دولة الإمارات بشكل أساسي، حتى أصدر المجلس التنفيذي بأبوظبي قراراً بتوسيع نطاق مهامه ليتولى مسؤولية توفير الرعاية والتأهيل والتمكين لكل الحالات التي تعاني من العنف والإيذاء في إمارة أبوظبي، بالإضافة إلى شريحة ضحايا الاتجار بالبشر في الدولة، وبالتالي تغيير اسم المركز ليتوافق مع اختصاصاته الجديدة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *