التخطي إلى المحتوى

حالة من الهلع يعيشها أبناء منطقة الميناء وكل محيط مرفأ طرابلس من بلدات اتحاد الفيحاء، على إثر حريق كبير اندلع في جبل النفايات، في المحجر الصحي المحاذي لمرفأ طرابلس. وتحول الجو في المنطقة إلى سحب دخانية سوداء، مع انبعاثات الروائح الكريهة من السموم. واستدعى هذا الحريق المفاجئ الطلب من عمال وسكان المنطقة لمغادرة مكانهم، خوفًا من انفجار الجبل، وهو أشبه بقنبلة موقوتة، في حين تفيد معظم تقديرات المسؤولين الذين تواصلت “المدن” معهم، أن لا داعي للقلق، وأن هكذا حريق لا يؤدي إلى انفجار الجبل على الأرجح.  

سبب الحريق؟  
أفادت مصادر موثوقة لـ”المدن”، أن الحريق هو نتيجة خطأ حصل أثناء مناورة عسكرية كانت تقوم بها فرقة من الجيش بجبل النفايات، لم تُعرف أسبابها، وذلك بعد حصوله على إذن وموافقة من اتحاد بلديات الفيحاء وشركة باتكو (الشركة الملزمة معالجة النفايات في طرابلس)، كجهتين مسؤولتين عنه.  

ولدى اتصال “المدن” برئيس اتحاد بلديات الفيحاء، وهو رئيس بلدية البداوي، حسن غمراوي، وأثناء تواجده بمحيط المكب للإشراف على عملية الإطفاء، أكد الأمر، لكنه نفى حصول الجيش على إذن للمناورة، وقال: “ليس الوقت لرمي المسؤوليات، نناشد الجيش بإرسال طوافات للمساندة بعمليات الإطفاء، لأن سيارات الإطفاء تجد صعوبة بالوصول إلى مكان الحريق بأعلى الجبل”. ويستبعد غمراوي انفجار جبل النفايات، “لكن الوضع خطير نظرًا للانبعاثات السامة، ويجب الإسراع باطفائه تفادياً للكارثة”.  

ولم يصدر الجيش حتى الآن أي بيان توضيحي بشأن المناورة وأسبابها.  

جبل الفساد والصفقات  
ومنذ سنوات، رغم كل التحذيرات والدعاوى والشكاوى، لا يستجب المسؤولون لإيجاد حلول جذرية للأزمة البيئية والصحية الناتجة عن جبل النفايات في طرابلس.  

وبرزت أزمة النفايات في مدن اتحاد بلديات الفيحاء، الذي يضم طرابلس والميناء والبداوي والقلمون، بعدما بلغ جبل النفايات أضعاف حدوده الاستيعابية، إلى جانب شبهات كانت تحوم على أداء معمل الفرز.  

والحريق الخطير اليوم وانبعاثات السموم، تؤكد زيف الوعود التي تلقتها طرابلس في 21 حزيران 2018، حين اجتمع بقصر رشيد كرامي الثقافي (نوفل سابقًا) نواب طرابلس ومسؤولين عن البلديات (على رأسهم كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي)، مع مجموعات من المجتمع المدني رفعت الشعارات الرافضة لإنشاء مطمر بحري جديد للنفايات، بجانب المطمر الحالي الذي اقترحته الحكومة ومجلس الإنماء والإعمار. وحينها تقرر إنشاء مطمر بحري أسموه “الصحي” كبديل مؤقت، على أرضٍ مجاورة للجبل الحالي حيث يشب الحريق، عبر ردم البحر، وجرى تلزيمه لشركة “باتكو” المسؤولة عن المطمر الأساسي. وحينها، ارتفعت الأصوات المحذرة من ردم البحر لإنشاء مطمر، في ظلّ وجود 500 طن نفايات يوميًا، ومخاطر تسرب ملوثاته إلى البحر. كما أنه ملاصق للمسلخ وللمنطقة الاقتصادية الحرّة ولسوق الخضار الجديد.  

انبعاثات وحرائق
بعد أن جرى اغلاق معمل فرز النفايات في 23 أيلول 2020، وشبهات الفساد حوله، صارت تذهب النفايات كما هي إلى المطمر البحري من دون فرز. والمطمر الجديد الذي انطلق العمل به في شباط 2019، لم يجرِ إنشاؤه بطريقة صحية، ولم تعالج عصارته والغاز المتسرب منه، بل تحول إلى جبل نفايات جديد يُضاف إلى الجبل الحالي. ويرى كثيرون أن هذه نتيجة المسار الطبيعي حين يتم تلزيم الشركة نفسها (باتكو) بمعالجة أزمة كانت سببها مع مجلس الإنماء والإعمار. 

ويشار إلى أن جبل النفايات القديم الذي يندلع حالياً، بلغت كمية النفايات فيه من دون معالجة أكثر من 2 مليون طن، ووصل ارتفاعه لنحو 49 مترًا. ولا بد من التذكير أن نقابة المهندسين في دراسة سبق أن أعدتها، ونشرت ملخصها في 21 آب 2020، قالت إن “مكب النفايات السابق يعتبر قنبلة موقوتة ويمكن أن يهدد البيئة والمواطنين بحدوث حرائق، بسبب وجود كميات كبيرة من الغاز الحيوي في جسم المكب”.    

ويذكر أن هذا المكب العشوائي للنفايات بدأ العمل به في السبعينات، وفي سنة 1998 وصل إلى حالة يرثى لها، وشهد عدة حرائق نتيجة انبعاث غازات ناتجة عن تحلل النفايات، وفي سنة 2000 انتهت عملية تأهيله من جديد. أمّا المكب الجديد الذي لا تتجاوز قدرته الاستيعابية 14 مترًا، يتوقع بعض المراقبين أن يصبح مطمر برج حمود 2، عبر ردم البحر وتكديس النفايات فيه من دون معالجة.  

تحركات  
وأجرى وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الاعمال، القاضي بسام مولوي، اتصالًا بقائد الجيش العماد جوزف عون لإرسال طوافات عسكرية للمساعدة في إطفاء الحريق المندلع في مكب للنفايات، وبحث مع وزير البيئة في حكومة تصريف الاعمال ناصر ياسين في آلية الإطفاء ومدى خطورة الحريق.  

وأوعز مولوي إلى المدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطار وفوج إطفاء اتحاد بلديات الفيحاء، التدخل للإطفاء عبر رش الأرض بالمياه وخنق الحريق بالأتربة.  

وفي السياق، يقول وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين لـ”المدن”: “لا داعي للقلق من حدوث انفجار بمكب النفايات، ما دام غاز الميثان يجري تنفيسه بشكل طبيعي عبر الأنابيب، وإذا لم تصل النيران إلى بقع غازية داخل المكب”.  

ويعتبر الوزير أن هذا الحادث هو للتذكير بضرورة تأهيل المكبات العشوائية في لبنان وإدارة النفايات الصلبة، ضمن الخطة التي وضعتها الوزارة، و”هو مشروع يحتاج لتمويل غير متوفر، والبلديات لا موارد مالية لها لإدارة نفاياتها بشكل سلمي، ما يعني أن على السلطات المعنية التشريعية والتنفيذية تحمل مسؤوليتها معنا وتوفير التمويل اللازم لهذا القطاع”.
من جانبه، ذكّر السياسي خلدون الشريف بالدعوى ضد من يتآمر على طرابلس. وقال في تغريدة: “بتاريخ 8 شباط 2021، سجلنا دعوى على من يظهره التحقيق متواطئًا بل ومتآمرًا على طرابلس وبيئتها وأمنها الاجتماعي. ومن يومها لم يتحرك قضاء ولا سلطة، بل جوبهنا بلا اكتراث. وها هي الواقعة قد وقعت اليوم واندلع حريق في مكب نفايات طرابلس. إلى تحقيق فوري ومحاكمة المسؤولين”.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *