التخطي إلى المحتوى

للمرة الثانية في أقل من 24 ساعة، يسجل بحق وزير العدل اللبناني، هنري خوري، دعاوى قضائية رفعها أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، بجرم القدح والذم بعد اتهامات وجهها الوزير لهم عبر الإعلام، خلال اعتصامهم في محيط منزله، إضافة إلى جرم استغلال النفوذ والإخلال بالواجبات كما الإضرار بالغير.

وتأتي هذه الخطوات في سياق تحركات اعتراضية عدة يسجلها أهالي ضحايا انفجار الرابع من أغسطس 2020، الذي وقع في مرفأ بيروت وأودى بحياة 214 شخصا وأصاب أكثر من 6000 شخص بجروح، مدمراً قسماً كبيراً من أحياء المدينة، وذلك احتجاجاً منهم على قرارات قضائية اتخذها كل من وزير العدل اللبناني ومجلس القضاء الأعلى، تهدف إلى تعيين قاضٍ، لم تحدد هويته بعد، رديف للمحقق العدلي في الملف، طارق البيطار، من أجل البت “بالقضايا الضرورية والملحة، كطلبات إخلاء السبيل، والدفوع الشكلية”، وفق بيان وزير العدل في هذا الشأن. 

هذا الأمر رأى فيه أهالي الضحايا محاولة لتأخير البت في الملف ككل، إلى أجل غير مسمى، واستجابة لتدخلات سياسية تهدف إلى إطلاق سراح بعض الموقوفين في القضية ذوي المحسوبيات السياسية. فيما تخوف قانونيون من أن تكون الخطوة مقدمة لعزل القاضي بيطار والتدخل في ملفه الذي يشهد تعطيلاً مستمراً منذ مطلع العام، بحكم دعاوى كف يد مقدمة من ناحية شخصيات سياسية ونواب ووزراء ملاحقين قضائياً في الملف. 

تعيين “قاض رديف” في انفجار مرفأ بيروت يثير مخاوف “الباحثين عن العدالة”

شهد ملف التحقيق بانفجار مرفأ بيروت تطورات لافتة في اليومين الماضيين، بعد تعطيل مستمر منذ ديسمبر العام الماضي، مما أعاد الزخم إلى الملف وطرحه مجددا للبحث على الساحتين السياسية والقضائية في البلاد، وإن كانت تلك التطورات تنذر بتهديد لمصير التحقيق برمته.

الشكوى الأولى أعلن عنها بالأمس المحامي، شكري حداد، في بيان له، حيث تقدم بوكالته عن أحد أهالي ضحايا الفاجعة، بشكويين جزائيتين “بحق كل من وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري ووزير المالية يوسف خليل، مع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي ضدهما، أمام قاضي التحقيق الأوّل في بيروت، بجريمتي المادتين 376 و377 من قانون العقوبات اللبناني، المتعلقتان باستغلال النفوذ، الإخلال بالواجبات، جلب منفعة لغيرهما، والإضرار بالغير”. 

وأوضح حداد أن “الشكويين جاءتا نتيجة رفض وزير المالية توقيع التشكيلات القضائية دون أي سند قانوني، كما وإمعان وزير العدل في استغلال هذا الواقع وطرح حلول غير قانونية، تأتي بهدف إفادة بعض الجهات المدعى عليها بملف تفجير المرفأ”.

أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت رفعوا دعاوى قضائية بحق وزير العدل اللبناني

أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت رفعوا دعاوى قضائية بحق وزير العدل اللبناني

قدح وذم

من جهة أخرى، سجلت اليوم دعوى قضائية ثانية لدى النيابة العامة التمييزية، من ناحية عدد من أهالي الضحايا، بجرم المادتين 582 و584 من قانون العقوبات اللبناني، (قدح وذم) طالبين “إحالة الشكوى إلى المراجع المختصة لإجراء التحقيق مع المدعى عليه وتوقيفه وإنزال أشد العقاب بحقه وحبسه وإلزامه بتقديم اعتذاره العلني من جميع أهالي الضحايا عبر وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب ومواقع التواصل الاجتماعي والتي من شأنها المساس بكرامة وشرف الجهة المدعية وجميع أهالي ضحايا انفجار المرفأ وإلزامه بدفع ليرة لبنانية كتعويض رمزي عما أصابهم من ضرر لا يقدّر بمال”، وذلك بحسب نص الدعوى الذي اطلع عليه موقع “الحرة”.

هذه الدعوى جاءت على خلفية تصريحات إعلامية للوزير خوري، وجه خلالها اتهامات لأهالي الضحايا بوجود جهات خلفهم تحركهم وفق اعتبارات سياسية وتؤمن لهم مرافقة وسيارات، وقال في مقابلة مع قناة “الجديد” اللبنانية: “عم يشتغلوا سياسة، ومن ورائهم، وليس بهذه الطريقة يصلون إلى حقوقهم، هذه ليست طريقة الأهالي… يلي فكرن عمّ بيشغلون (الذين يفكرون) بالسياسة وعم يدفعهم ويدفشهم ويعطيهن سيارات ومأمنين لهم مرافقين”.

وأصر الوزير على كلامه رغم تدخل الإعلامي المحاور له الذي اعتبر أن “دم أولادهم هو من يحركهم، وليسوا مدفوعين”، فشدد الوزير مرة أخرى أن “بلى هناك من يؤمن سيارات ومرافقين، أنا شفتن (رأيتهم) عمّ بيوصلوا (يصلون) بسيارات ومرافقين وسيارات وحدث ولا حرج ، شو هي السيارات يلي عمّ يوصلوا فيها؟”

تصريحات الوزير التي جاءت على خلفية اعتصام نفذه أهالي الضحايا على باب منزله لمطالبته بالعودة عن قراره بتعيين قاضٍ ثانٍ، أثارت موجة غضب عارمة تجاوزت أهالي الضحايا لتشمل نسبة كبيرة من الرأي العام اللبناني، الذي رأى في تصريحات الوزير اتهامات لا تليق بأهالي ضحايا أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، والذي نتج عن فساد وتقصير في قيام المعنيين في السلطات اللبنانية بواجباتهم. 

المحكمة تقرر 

وكان سبق لوزير العدل اللبناني أن تطرق عبر برنامج “المشهد اللبناني” على قناة “الحرة” لهذا الأمر موضحاً أنه “لا خلاف أبدا مع أهالي الضحايا، ولم أقل انهم يتعاطون مع السفارات، فأنا لم أتلفظ بهذه الكلمة على الاطلاق، ولكن هم من فتحوا النار علي وتوجهوا بكلام غير مسبوق”، متحدثاً عن تهديدات وصلته على خلفية هذه القضية.

ولكن الدعوى القضائية لم تكن مبنية على كلام منسوب للوزير حول تعامل أهالي الضحايا مع سفارات، وإنما نقلت كلامه حرفياً من المقابلة حول السيارات والمرافقين و”الجهات المحرّكة” للأهالي، معتبرة ما ورد فيه أنه “أشنع الاتهامات والصفات”. 

وفي حديثه لموقع “الحرة” بشأن مستجدات الدعاوى بحقه، قال خوري: “نعم في مقابلتي على الجديد تحدثت عن سيارات ومرافقين، ولكن أوضحت لاحقاً أن المقصودين بكلامي هم طابور خامس، بينما أنا لم أقترب من لجنة الأهالي بأي سوء، ولا يهم على كل الأحوال، هل هذا يسمى قدح وذم؟ هم أحرار بفعل ما يريدون، وأنا أترك الأمور للمحكمة والنيابة العامة هي من تقرر مسار الدعوى”.

“الدم يدفعنا”

من ناحيتها ترى سيسيل روكز، المحامية وشقيقة الضحية في انفجار المرفأ جوزف روكز، التي كانت من ضمن المتقدمين بالدعوى، أن الكلام الذي قاله وزير العدل على الإعلام “معيب” ويعتبر “جرماً مشهوداً”. 

وتضيف في حديثها لموقع الحرة أنه “ما من خيار قانوني يتيحه القانون إلا وسنتجه إليه، وإن أراد القضاء السير بها فليكن، ولكن ليعلموا أنه من غير المقبول استباحة كرامات الناس وأصحاب الدم، هذا وزير عدل، يجب عليه هو أن يقف إلى جانبنا لتحصيل العدالة وليس القول إننا مدسوسين ومسيرين والوقوف في طريقنا، هل سمع أمهات الضحايا وما قالوه عنه حين اتهمنا بكل ذلك؟ قالوا: ‘هل يريد أن يقبض مثلنا؟ أن يقبض دم أحبائنا الذي قبضناه؟'”. 

وتضيف “منذ أن بدأت معاناتنا وحتى اليوم، ليست هناك أي جهة تدعم أو عرضت دعم أهالي الضحايا وتحركاتهم، هل نحن أصلاً بحاجة لأسباب ودفع إضافي لنطالب بالعدالة لضحايانا، دمهم يدفعنا؟ نحن علينا أن نقوم بكل واجباتنا ولن نترك سبيلاً إلا وسنتوجه إليه لتحقيق العدالة”. 

وتوضح روكز أن أهالي الضحايا لا يقطعون الطرقات على الناس ولا يمارسون البلطجة، “هناك قرار قضائي اتخذوه، اتجهنا إلى منزل الوزير مباشرة، إلى مصدر القرار الصادر، لنسائله خاصة وأننا نرى هذا القرار غير قانوني ويتطلب تعديلاً تشريعياً عبر مشروع قانون في مجلس النواب، ولكن ليس بهذه الطريقة، فحتى نقابة المحامين ونادي القضاة أبدوا رأيهم بعدم صوابية هذا القرار”.

ما يجري اليوم تصفه روكز بكونه “جنوناً بكل ما للكلمة من معنى، إذ لا يجوز التعامل بهذه الطريقة مع ملف بهذا الحجم يمثل جريمة العصر”، مشيرة إلى أن كل من يأتي ليطالب بحقه “يتهمونه بالتبعية وبوجود جهات خلفه تحركه، باتت هذه الاتهامات دارجة وجاهزة لرميها بوجه كل مطالب بالعدالة، فليأتوا ببرهان أو دليل واحد على اتهاماتهم”.

وتختم بقولها : “أعتقد أنهم وصلوا إلى إطلاق هذا الكلام بعدما أفلسوا، حيث لم يكونوا قادرين على تبرير الخطوة غير القانونية التي اتخذوها، فلجؤوا إلى هذا الأسلوب”.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *