التخطي إلى المحتوى

يجري هوكشتاين جولة سريعة على المسؤولين اللبنانيّين (حسين بيضون)

عبّر الوسيط الأميركي في ملف ترسيم الحدود البحرية جنوباً عاموس هوكشتاين، بعد لقائه المسؤولين اللبنانيين، اليوم الجمعة، عن تفاؤله في الوصول إلى اتفاقٍ، متحدثاً عن تقدّمٍ ملحوظٍ في المفاوضات، قبل أن يغادر بيروت من دون التوصل حتى الساعة إلى حلٍّ نهائي يرضي الطرفين اللبناني والإسرائيلي.

وأكد الوسيط الأميركي من مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي في بيروت بعد جولته اللبنانية السريعة أن “هناك المزيد من العمل يجب القيام به، ونحن في الولايات المتحدة، ملتزمون بالعمل لحل المشاكل الموجودة والوصول إلى اتفاق يستفيد منه الشعب اللبناني، وهو هدفنا من الوساطة في الملف”.

وقال هوكشتاين “إننا نشعر أننا نقوم بتقدم في الأسابيع الماضية، ونأمل في تعزيز الجهود للوصول إلى اتفاق يعطي الأمل والنشاط الاقتصادي للبنان ويفيد المنطقة”.

واستهلّ هوكشتاين جولته بلقاء الرئيس اللبناني ميشال عون في قصر بعبدا، حيث “عرض نتائج الاتصالات التي أجراها مع الجانب الإسرائيلي وبعض النقاط المتعلقة بالمفاوضات” وفق ما ذكر بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية، كما استمع الوسيط الأميركي إلى وجهة نظر لبنان حيال بعض النقاط التي يجري البحث في شأنها.

وبعد اللقاء، قال هوكشتاين في تصريح مقتضب، “كان اجتماعاً ممتازاً وهناك تقدّمٌ ملحوظٌ في المفاوضات، وأنا متفائلٌ في الوصول إلى اتفاق”.

“تقدم إيجابي كبير”

وكشف مصدرٌ مسؤول في قصر بعبدا لـ”العربي الجديد” أن “الوسيط الأميركي وضعنا بجو الاتصالات التي قام بها مع الجانب الإسرائيلي والاتصالات مع شركة توتال الفرنسية التي التقى مسؤولين فيها في باريس، وذلك في موضوع التنقيب عن النفط”.

وأضاف، “بما يخص الموقف اللبناني، حول الخط 23 وحقل قانا، هناك تقدم إيجابي كبير في هذا السياق حصل لجهة اقتناع إسرائيل بحق لبنان، لكنها طلبت إيضاحات حول ترسيم الخط 23، كيفية حصوله، والموضوع المتعلق باستقامة الخط، فلبنان متمسك بكامل الخط 23 مع جيب مائي لاحتواء الحقل من دون أي انحراف، وبالتالي، فإن النقاش والعمل متصل بهاتين المسألتين”.

كذلك أشار المصدر المسؤول المقرّب من عون إلى أن “لا استخراج مشترك للنفط، وهناك استعداد من شركة توتال الفرنسية في حال حصل الاتفاق أن تباشر عملية التنقيب في الحقول اللبنانية، وأي صيغة اتفاق ستكون طبعاً برعاية الوسيط الأميركي”، مؤكداً أن “هوكشتاين حريص على سرعة التوصل إلى اتفاق نهائي وإنهاء الملف قبل الاستحقاق الرئاسي اللبناني والانتخابات المنتظرة في إسرائيل مطلع نوفمبر/تشرين الثاني المقبل”.

وانتقل الوسيط الأميركي بعد ذلك إلى عين التينة في بيروت، حيث التقى رئيس البرلمان نبيه بري، الذي أكد “عزمه على الاستثمار لثرواته في كامل المنطقة الاقتصادية الخاصة به وحقه وسيادته عليها”.

وقال المكتب الإعلامي لبري في بيان إن رئيس البرلمان أكد خلال اللقاء أيضاً “تمسّك لبنان باتفاق الإطار، وضرورة العودة إلى الناقورة جنوباً للتفاوض غير المباشر حتى الوصول إلى النتائج المرجوة”.

ختام الجولة بلقاء مع ميقاتي

وختم الوسيط الأميركي جولته بلقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي أكد مكتبه الإعلامي في بيانٍ أنه “جرى مناقشة الأفكار التي يحملها هوكشتاين على أن يصار إلى التشاور بشأنها وابلاغه الجواب عليها في وقتٍ قريبٍ”.

وكان لافتاً أن المواعيد التي حُددت اليوم مع هوكشتاين الآتي من إسرائيل، والرؤساء عون، بري، وميقاتي، حُدّدت بشكلٍ منفصل، علماً أنّ الاجتماع في الزيارة الأخيرة للوسيط الأميركي، مطلع أغسطس/آب الماضي، كان جامعاً على طاولة مقرّ الرئاسة اللبنانية في قصر بعبدا الجمهوري، للتعبير والتأكيد على موقف لبنان الموحَّد في هذه القضية، وقد تسلّم الوسيط المقترح اللبناني، الذي نقله إلى الجانب الإسرائيلي وعاد لاستكمال النقاش حوله اليوم، وسط توقعات إعلامية استباقية للزيارة أنها لن تؤسس لحل نهائي، خصوصاً قبل إنجاز الاستحقاقين الانتخابيَّين في لبنان وإسرائيل.

وبالتزامن مع جولة الوسيط الأميركي، أتى اعلان شركة “إنرجيان” العالمية، تأجيل استخراج الغاز من حقل كاريش النفطي المتنازع عليه بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي، إلى ما بعد سبتمبر/أيلول الجاري، في تطوّر، ينظر إليه لبنان بإيجابية لكسب الوقت، في ظلّ استنفار “حزب الله” هذا الشهر، وتهديده المستمرّ عسكرياً للضغط باتجاه الإقرار بالحدود والحقوق اللبنانية، وفك الحصار عن عمليات التنقيب في الحقول غير المتنازع عليها، بينما “تُهلِّل” أوساط الحزب للتأجيل، من بوابة أن رسائله عالية النبرة أدّت دورها.

سقوط مسيّرة إسرائيلية على الحدود الشمالية مع لبنان

وعشية وصول هوكشتاين إلى لبنان، سقطت طائرة إسرائيلية مسيّرة في البحر الأبيض المتوسط على الحدود الشمالية مع لبنان، وقد نقلت قناة “المنار” التابعة لحزب الله، عن إعلام الاحتلال، إعلانه أن سبب السقوط عطل فني، وقد سحب الجيش الإسرائيلي الطائرة من المياه، ولا يزال الحادث قيد التحقيق، وسيتم إيقاف العمل بالطائرات الأخرى من هذا النموذج حتى اكتمال التحقيق. ولم يصدر أي تعليق من الحزب على الموضوع، مع الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي بحالة استنفار تحسباً لأي خطوة من حزب الله، على وقع تهديداته المتواصلة، وإرساله في شهر يوليو/تموز مسيّرات إلى حقل كاريش.

لبنان لن يتخلّى عن حقوقه

ويقول مصدرٌ في قصر بعبدا لـ”العربي الجديد” إن لبنان لا يزال على موقفه الموحّد لناحية المطالبة بحقل قانا كاملاً، وبالدرجة الأولى عدم مشاركة استخراج الغاز مع إسرائيل، والحصول على الضمانات للتنقيب عن النفط في المناطق غير المتنازع عليها، كما يبدي استعداده ورغبته في عودة المفاوضات التقنية غير المباشرة مع الطرف الإسرائيلي في الناقورة (جنوب لبنان)، برعاية أممية، والمتوقفة منذ مايو/أيار 2021.

ويشدد المصدر على أن الجانب اللبناني لن يتخلى عن حقوقه، ويأمل في أن يحمل الوسيط الأميركي معه اليوم أجواء إيجابية تؤسس للحلّ النهائي، خصوصاً بعد دخول أوروبي أميركي قوي على الخطّ لتعبيد الطريق، والدفع باتجاه الوصول إلى اتفاق بحري في أقرب وقتٍ ممكن، وقد وضع الطرفان الفرنسي والأميركي هذا الملف على سلّم الأولويات، لما له من أهمية تتصل بتطوّرات المنطقة وقطاع النفط ككلّ.

ويلفت المصدر إلى أن لبنان يفاوض من موقع القوّة، ولن يتنازل عن حقوقه في ثرواته النفطية، وله أن يلجأ إلى خيارات عدّة في حال استمر الطرف الإسرائيلي بالمماطلة، على رأسها الخطوات الدولية القانونية، أمّا الخيار العسكري فليس مستحبّاً طبعاً، لكن مع ذلك، أي اعتداء على لبنان سيواجَه من موقع الدفاع عن الحقوق.

تجدر الإشارة إلى أن المسؤولين اللبنانيين تنازلوا عن مساحات إضافية تُعدّ ضمن حقوقه البحرية المتصلة بالخط 29 والتي تضمنها الاتفاقات الدولية، وتمسّك بها الجيش اللبناني، وذلك في إطار التسوية السياسية.

واستبق نائب رئيس البرلمان إلياس بو صعب الذي يلعب دوراً أساسياً على خط الاتصالات والمشاورات بتكليفٍ رئاسي، زيارة هوكشتاين بسلسلة من المواقف، أكد فيها أن شهر سبتمبر سيكون حاسماً، ملوِّحاً بأنه إذا تبيّن أن الإسرائيلي سيبقى على عناده ولا يرغب في الحلّ، فهناك خيارات أخرى أمام لبنان وأمام رئاسة الجمهورية تحديداً، لأننا جميعاً حريصون على الحفاظ على الحقوق اللبنانية بشتّى الوسائل، وبالتوقيت المناسب.

وقال بو صعب في تصريحات سابقة، إنه وضع الرئيس ميشال عون في موضوع قد يعني طرفاً ثالثاً، وهو شركة “توتال” الفرنسية، يمكن أن يساعد لبنان في الحلّ، وسيجري الرئيس اتصالات للمساعدة في هذا الأمر، مشيراً إلى أن هناك نقاطاً لا تزال عالقة وتحتاج إلى حلول، لذلك، فإن زيارة هوكتشاين لا تعني أنها ستحمل الحلّ النهائي، ولكنها ستكون خطوة إيجابية إضافية نحو الحلّ، إذ يجب أن نعلم أن الموضوع شائك ومعقّد، ولكنه يسير في الاتجاه الصحيح.

وأكد بو صعب أن “التواصل سيزداد خلال الشهر الحالي، وسيعلو منسوب الاتصالات، ونأمل في الوصول إلى نتيجة”، مضيفاً: “لا نرغب في الإفراط بالتفاؤل ولا القول إننا متشائمون، الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، ويجب أن نبقي على أمل بانتهاء الملف خلال وقتٍ ليس ببعيدٍ”.

لا حلّ نهائياً

في السياق، يشير الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، مارك أيوب، لـ”العربي الجديد”، إلى أن الزيارة اليوم لن تحمل معها أي حلّ نهائي، وهو ما مهّد له النائب بو صعب في حديثه، تاركاً الباب مفتوحاً للإيجابية والسلبية، من هنا سنكون أمام استعراض للمشاورات والمواقف والرد الإسرائيلي على المقترح اللبناني، والذي سيقابله تعليق لبناني.

ويستند أيوب في الحديث عن أن الحلّ النهائي يتطلب مزيداً من الوقت، إلى عوامل عدّة، أبرزها الانتخابات الإسرائيلية، بحيث إن الجانب الإسرائيلي لن يتخذ أي قرار “سيادي” من شأنه أن يؤثر على نتائج الاستحقاق، كما أن إعلان شركة “إنرجيان” تأجيل نشاطها، الذي غلّفته بالحجة “التقنية” بينما هي “سياسية”، يعني أن لا توصل إلى اتفاق، وقد ثبّت أن معادلة كاريش مقابل قانا التي فرضها حزب الله أصبحت واقعية، يعني أن لا استخراج قبل الترسيم، علماً أن العملية كان يفترض أن تبدأ قبل 20 سبتمبر.

من ناحية ثانية، يشير أيوب إلى أن فرنسا دخلت على خط المفاوضات، خصوصاً على صعيد شركة “توتال”، وكيفية عودتها وبأي صورة، فالأخيرة تريد استئناف نشاطها في الجانب اللبناني لكن مقابل ضمانات اقتصادية وأمنية، وهذه أيضاً مرتبطة بالترسيم، لافتاً إلى أن عودة “توتال” إن حصلت فلن تتم قبل عام 2023، وفي حال بدأت الحفر في حقل قانا فإن العملية ستستغرق أكثر من سنتين لمعرفة ما يحتويه.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *