التخطي إلى المحتوى

دخل ملف انفجار بيروت مساراً خطيراً (حسين بيضون/ العربي الجديد)

تطوّر خطير دخل على خطّ ملف انفجار مرفأ بيروت، يقوده “التيار الوطني الحر” برئاسة النائب جبران باسيل (صهر الرئيس ميشال عون)، الذي قرَّرَ التدخّل للدفع بتعيين قاضٍ رديفٍ للمحقق العدلي الأصيل، تحت ستار البتّ بملفّ الموقوفين “ظلماً”، وعلى رأسهم المدير العام السابق للجمارك بدري ضاهر، المحسوب على فريقه، و”الأمور الضرورية والملحّة”، في حين أنّ هذه الخطوة تُدخل القضية بزواريب من شأنها أن تغيّر مسارها برمّته، وفق ما تؤكده الآراء القانونية.

وفي التفاصيل، أرسل وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية هنري خوري (من حصّة عون الوزارية)، أمس الثلاثاء، كتاباً إلى مجلس القضاء الأعلى، مقترحاً فيه “تعيين محقق عدلي للبت بالأمور الضرورية والملحّة بانفجار مرفأ بيروت، طيلة فترة تعذّر قيام المحقق الأصيل، القاضي طارق البيطار، بمهامه، كطلبات إخلاء السبيل، والدفوع الشكلية على سبيل المثال”.

وسرّبت أوساط باسيل سريعاً نيل المقترح الموافقة، وبدء البحث عن أسماء القضاة المقترحين، في وقتٍ كان نواب في “التيار” تحرّكوا أمس ميدانياً لتسريع إصدار القرار، واجتمعوا لأجل ذلك مع وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى، حيث سادت التباينات في وجهات النظر، بينما صعّد باسيل من تحذيراته وعزمه “تحرير” من وصفهم بأسرى السجون.

وتذرع خوري في كتابه بـ”تردي الوضع الصحي للموقوفين، وبدخول أحدهم بصورة طارئة إلى المستشفى نظراً لتدهور حاله الصحية”، معزّزاً موقفه بسابقة قضائية تمثلت بـ”انتداب القاضي جهاد الوادي محققاً عدلياً في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ورفاقه أثناء فترة سفر المحقق العدلي في القضية القاضي إلياس عيد، خلال العطلة القضائية لعام 2006، وذلك بناءً على كتاب وزير العدل الأسبق شارل رزق”.

وعلى وقع وقفة أهالي ضحايا الانفجار الاحتجاجية اليوم الأربعاء، أمام قصر العدل في بيروت، يحذّر المحامي في مكتب الادعاء في نقابة المحامين عن انفجار مرفأ بيروت، يوسف لحود، من خطورة تعيين قاضٍ رديف للمحقق العدلي، على المسار القضائي ككلّ، وكيفية مقاربة الأمور القانونية، وما ستخلقه من ملابسات ضخمة.

وشدد لحود في حديث لـ”العربي الجديد” على أنه “بحسب القانون لا يجوز أن يكون هناك محققَان عدليَّان، خصوصاً على المستوى ذاته والدرجة نفسها، ما يفتح الباب أمام وجود رأيَين في قضية واحدة”، سائلاً في هذا الإطار: “ماذا لو أبدى القاضي الرديف رأيه بنقاطٍ معينة خلافاً لرأي القاضي البيطار؟ من يفصل عندها بينهما؟ هذه نقطة خطيرة جداً سيوقعون القضاء بها”.

كذلك، يتوقف لحود عند تضمّن الاقتراح بتّ القاضي الرديف بالأمور الملحّة من إخلاءات سبيل ودفوع شكلية، ليضيء على نقطتَين في غاية الأهمية والخطورة؛ الأولى، في حال اعتبر القاضي الرديف أن إخلاء سبيل أحد الموقوفين يأتي بكون الفعل الجرمي بمثابة جنحة، بينما الأصيل، يعتبره جناية، هنا ننتقل إلى مرحلة تقدير الوصف الجرمي، وتالياً، تخطي مجرّد القيام بإخلاءات.

من ناحية ثانية، يشير لحود إلى أن الطلبات قد تكون مرتبطة بالصلاحيات، فمع تقدّم المدعى عليهم بطلب لنقل القضية إلى مجلس النواب، عندها، من يبتّ بذلك؟ القاضي الرديف أم الأصيل؟ وفي حال اتخذ الأوّل القرار بصلاحية البرلمان، يكون بهذه الحال قد حسم الدعوى كلّها من أساسها وجوهرها، وذلك تحت ستار “الطلب الشكلي”.

كما يلفت لحود إلى أن خطوة تعيين قاضٍ رديفٍ قد تُقابَل بطلب من أهالي الضحايا لردّه، ما من شأنه كف يده، وتالياً عرقلة إضافية لحسن سير القضاء، والدفع نحو فوضى قانونية وتوسيع رقعة الوسائل التعسفية.

في المقابل، يرى المحامي في مكتب الادعاء في نقابة المحامين عن انفجار مرفأ بيروت ضرورة الفصل بين البت بطلبات إخلاء سبيل الموقوفين سواء رفضاً أو قبولاً، وبين الوسيلة المتاحة، إذ بدل مخالفة القانون والقيام بخطوة قد تزيد من عرقلة الملف، يجب تحريك ملف الموقوفين، ولكن من خلال معالجة الأسباب التي تحول دون قيام القاضي الأصيل بمهامه، منذ ديسمبر/ كانون الأول 2021، خصوصاً على صعيد إلزام وزير المال يوسف الخليل (من حصة رئيس البرلمان نبيه بري الحكومية) التوقيع على التشكيلات القضائية الجزئية لرؤساء غرف محكمة التمييز.

بدوره، وصف المحامي جيلبير أبو عبود، وهو أحد وكلاء أهالي الضحايا، ما يحصل بـ”الهرطقة القانونية”، إذ إنه بعد تعيين المحقق العدلي لا يمكن “إزاحته”، إلا من خلال صدور قرار قضائي مبرم بردّه أو نقل الدعوى من يده لقاضٍ آخر، معتبراً أن “ما يحصل تدخل سياسي سافر بالملف”.

ويرى أبو عبود أن من شأن هذه الخطوة وضع الملف برمّته بيد قاضٍ رديفٍ، الذي عليه بدوره أن يدرسه، مع ما يتطلب ذلك من وقت للدخول في جوّه، عدا عن فتح باب تدخّل قاضٍ جديدٍ بصلاحيات القاضي الأساسي، وهو أمرٌ غير قانوني، على حدّ قوله.

ويعتبر أبو عبود أنه بدل تصويب مسار القضية بتحرير يد القاضي البيطار والبت بالتشكيلات الجزئية، تعمل السلطة السياسية على إدخال الملف بفوضى عارمة.

ويصرّ المحامي علي عباس على اعتبار خطوة تعيين قاضٍ رديف “فزلكة” قانونية ومخالفة، هدفها التحايل على القوانين، والإبقاء على كفّ يد القاضي البيطار تجاه استجواب المسؤولين السياسيين المدّعى عليهم والمطلوبين، وفي الوقت نفسه تسيير الموقوفين قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، باعتبارها فرصة أخيرة لهم لإخراج المحسوبين عليهم.

في المقابل، يؤكد عباس لـ”العربي الجديد” معارضة أهالي الضحايا للقرار، ويعتقد أن القاضي البيطار سيكون له موقف إزاء ما يحصل، إذ لا يمكن أن يقبل بوضعه “على الرف” بالتحايل على القانون، فالمحقق العدلي لا يمكن سحب الملف من يده إلا برده أو نقل الدعوى منه أو استقالته، علماً أن هذه الخطوة، بحسب أوساط المحقق العدلي غير واردة من قبله.

كتلة “التغييريين”: استهداف للعدالة

نواب كتلة “التغييريين” كان لهم موقفهم ممّا سموه “عملية استهداف للعدالة في قضية جريمة العصر، عبر فبركة إخراج غير قانوني يتسم بمخالفات فادحة الجسامة لتعيين محقق عدلي جديد بصلاحيات استثنائية مُبتَكَرة، كضربة قاضية لدور المحقق العدلي الحالي طارق البيطار”.

وقال نواب الكتلة في بيان: “يبدو أنّه رُمِيَ بسلّة المُهملات كلّ ما تقدمنا به من كُتب ودراسات ومُجلّدات قانونية إلى كلّ من وزير العدل ووزير المالية ورئيس مجلس القضاء الأعلى، لتشكيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز، وإعادة مسار العدالة في هذه القضية بأشكال ووسائل قانونية منتظمة صحيحة”، مؤكدين على أن ذلك “واجبٌ داهمٌ على هؤلاء المعنيين، وحقٌّ مُلحٌ لجميع المتقاضين، أكانوا أهالي ضحايا ومتضررين أو موقوفين وغيرهم، وكان الأجدر مثلاً توقيع مرسوم تشكيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز من وزير المالية، وذلك كان كافياً لإعادة تفعيل القضية وغيرها من الأمور العالقة”.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *