التخطي إلى المحتوى

قبل مغادرته بيروت لتمثيل لبنان في جنازة الملكة إليزابيث في لندن، ثم في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بنيويورك، قال الرئيس المكلف تأليف الحكومة ورئيس حكومة تصريف الأعمال الحالية نجيب ميقاتي إنه عند عودته سيعمل على تشكيل الحكومة ولن يغادر القصر الرئاسي إلا بعد إنجازه، حتى لو اضطر إلى أن ينام فيه.

بدا كلام ميقاتي مفاجئاً بعد أن كان متهماً من رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بأنه لا يريد تأليف حكومة، وصولاً إلى تساؤل عون في حديث صحافي كيف تتألف الحكومة في وقت يتنقل فيه ميقاتي بين سردينيا وغيرها على اليخت، ثم قوله إن “لدي شعوراً بأن عرقلة تأليف الحكومة متعمدة، لكي يضع الرئيس ميقاتي ومن معه وخلفه أيديهم على البلد عبر حكومة تصريف أعمال لا تتوافر فيها شروط الحلول مكان رئيس الجمهورية، وإذا نشأ مثل هذا الوضع النافر فأنا لن أرضخ له، وسأواجهه”.

تلويح عون بخطوات غير دستورية وباسيل بالشارع

وفي حديث آخر دعا عون إلى عدم حشره بالإبقاء على حكومة تصريف الأعمال لتتولى صلاحيات الرئاسة في حال لم ينتخب الرئيس الجديد قبل موعد مغادرته القصر الرئاسي في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بدلاً من تشكيل حكومة جديدة أصيلة، موحياً أنه قد يقدم على خطوات أبقاها طي الكتمان، من أجل التشويق والتهويل باحتمالات من نوع تكليف شخصية أخرى وتشكيل حكومة قبل موعد انتهاء ولايته كما أفادت تسريبات مقربين منه، في وقت يؤكد جميع الفرقاء أن هذا مناف للدستور، كما أن باسيل لوح باللجوء إلى الشارع وبسحب معظم الوزراء المسيحيين من حكومة تصريف الأعمال لإفقادها الميثاقية، في حال بقيت إلى ما بعد انتهاء ولاية الرئيس عون، وفي حال شغور الرئاسة.

كذلك، فإن وعد ميقاتي بإنجاز الحكومة يناقض ما نقل عنه مرات عدة بأن لا حاجة إلى تأليف حكومة جديدة طالما هو الذي يرأس حكومة تصريف الأعمال التي لديه اجتهادات قانونية بحقها في تسلم الرئاسة إذا لم ينجح البرلمان في انتخاب الرئيس الجديد. والمعروف أن موقف ميقاتي هذا لقي لوماً من رئيس البرلمان نبيه بري و”حزب الله”، اللذين أرادا منه أن يستمر في محاولة تشكيل الحكومة بدلاً من الاكتفاء باقتراحه الذي رفضه عون بالإبقاء على صيغة الحكومة الحالية من 24 وزيراً، مع تغيير في أربع حقائب وزارية وأربعة وزراء، في 29 يونيو (حزيران) الماضي، وإدارته الظهر لعون منذ مطلع شهر يوليو (تموز)، على رغم اعتبار بري أن عون هو الذي يعرقل تأليف الحكومة لاشتراطه إضافة ستة وزراء دولة يمثلون القوى الرئيسة إليها، الأمر الذي رفضه رئيس البرلمان وأقنع ميقاتي بالعودة عن موافقته عون عليه.

رفض بري طلب عون إضافة ستة وزراء

وجاء وعد ميقاتي بتأليف الحكومة فور عودته من السفر، بعد لقائه عون في 14 سبتمبر (أيلول) للتداول في مضمون الخطاب الذي سيلقيه باسم لبنان في الأمم المتحدة، وبعد سجال علني بينهما أكد فيه رفضه إلحاح عون على إضافة الوزراء الستة بدلاً من الاكتفاء بالإبقاء على معظم وزراء الحكومة الحالية مع تبديل بوزيرين فقط، هما وزير الاقتصاد أمين سلام عن أحد المقاعد المخصصة للطائفة السنية، ووزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين عن أحد المقعدين المخصصين للطائفة الدرزية، كما يقترح هو، بعد تنازله عن اقتراح تغيير وزيري الطاقة وليد فياض المحسوب على عون وباسيل ووزير المال يوسف الخليل بناءً على طلب الأخير.

ما الذي غير من أجواء استحالة التفاهم على تأليف الحكومة الجديدة على أثر توصل الوسط السياسي برمته إلى قناعة باستحالة التوافق بين عون وميقاتي على صيغة الحكومة الجديدة التي قال بري إنها تحتاج إلى “أعجوبة” كي ترى النور؟

سعي “حزب الله” لتجنب البعد الطائفي للصراع

 ويروي بعض من أسر لهم ميقاتي مكنوناته أنه في أحد لقاءات قياديين من “حزب الله” الذي يلح على تأليف حكومة جديدة منذ مدة، بدلاً من الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال لإدارة المرحلة المقبلة، سأله أحد قادة الحزب عن العقدة الرئيسة التي تقف عائقاً أمام تأليف الحكومة فأجاب الرئيس المكلف أنها إصرار عون على إضافة ستة وزراء يشترط أن يسمي هو وباسيل المسيحيين الثلاثة منهم فكان تعليق أحد قياديي الحزب “هذا غنج غير مبرر”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا مع أن الحزب كان على علم منذ أسابيع أن هذا مطلب حليفيه عون وباسيل. إلا أن المتصلين بقيادته يؤكدون أن الحزب يريد بأي ثمن الاحتياط لمرحلة ما بعد ولاية عون، ولإمكان تعذر انتخاب الرئيس الجديد، ويرغب في تجنب السجال حول أهلية تولي حكومة تصريف الأعمال سلطات الرئاسة الأولى بعد 31 أكتوبر إذا تعذر تفاهم الكتل النيابية الرئيسة على اسم الرئيس الجديد لضمان الأكثرية في ظل تشتت الكتل النيابية حتى إشعار آخر. فهناك مخاوف من أن يأخذ هذا السجال بعداً طائفياً بأن يجري تعميم رفض تولي حكومة تصريف الأعمال سلطات الرئاسة على معظم القيادات المسيحية بما فيها البطريركية المارونية، فيعتبر بعضها أن هناك انتقاصاً من أهمية الموقع المسيحي الأول في السلطة، بفعل التسبب بشغوره ومن ثم بتولي حكومة مستقيلة فاقدة الصلاحيات، وأن ينتهي الأمر بتوجيه هذا البعد الطائفي ضد “حزب الله”، في وقت لم يتوقف البطريرك الماروني بشارة الراعي عن المطالبة بتأليف الحكومة الجديدة في شكل فوري، وانتخاب رئيس الجمهورية العتيد قبل انتهاء ولاية عون.

مهام لحكومة مكتملة الصلاحيات

ويشير بعض المتصلين بقيادة “حزب الله” إلى أنها ترى في العمق أن حكومة مكتملة الصلاحيات أمامها مهام كبرى في حال تعذر الاتفاق على رئيس الجمهورية العتيد، منها احتمال امتداد مفاوضات ترسيم الحدود البحرية غير المباشرة مع إسرائيل التي بات “حزب الله” يصر على إنجازها، إلى ما بعد خروج عون من القصر الرئاسي، بحيث يتطلب ذلك توقيع أي اتفاق والمصادقة عليها من قبل حكومة أصيلة، بغياب رئيس للجمهورية. وهناك خشية من أن تأخذ إسرائيل والوسيط الأميركي آموس هوكستين غياب سلطة شرعية مكتملة المواصفات الدستورية حجة من أجل تشريع أي اتفاق يحصل على الحدود البحرية، عبر تحويل مضمونه إلى الأمم المتحدة من أجل تسجيل تلك الحدود لديها وتكريسها.

كما أن من أسباب حرص “الحزب” على قيام حكومة كاملة الصلاحيات، أن حصول أي تطور دراماتيكي مثل قيام مواجهة عسكرية واسعة أو محدودة إذا تعقدت مفاوضات ترسيم الحدود، أو إذا اقتضت الظروف الإقليمية المتميزة بالهشاشة، حصول تلك المواجهة، يحتاج خلالها الحزب إلى التغطية السياسية اللبنانية الشرعية لمخاطبة المجتمع الدولي والدول الفاعلة للتفاوض من أجل وقف أي عمل عسكري، خصوصاً إذا تمادت إسرائيل بعد إجرائها انتخاباتها العامة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في توجيه للحزب ولبنان.

وفي المعطيات التي تجمعت لدى أوساط على صلة بقيادة “حزب الله” أن الأخيرة تدارست انعكاسات الخلاف على قيام الحكومة على الوضع الأمني والمعيشي في البلد، على شاكلة ما حصل، الجمعة 16 سبتمبر، من اقتحامات مسلحة من قبل مواطنين لفروع مصرفية من أجل الحصول على ودائعهم فيها، بينما هناك حاجة إلى حكومة بإمكانها السعي إلى ضبط الأمور مع الأجهزة الأمنية كافة، كما أن إطالة أمد الفراغ الرئاسي ستفرض على الحكومة أن تعمل على المعالجات الممكنة للتردي الإضافي للوضع المعيشي المرشح لمزيد من التدهور.

نتيجة العوامل المذكورة أعلاه يتوقع الوسط السياسي اللبناني أن يعمل ميقاتي بالاستفادة من حاجة “الحزب” الجدية لقيام حكومة، إذ تكون الضغوط التي مارسها على حليفه الفريق العوني قد فعلت فعلها، فيقطف هو النتائج، ويعزز ذلك فرص عودته إلى رئاسة الحكومة في العهد المقبل. أما “الحزب” فيأمل من وراء تسهيل قيام الحكومة بضغط على حليفه العوني أن يسجل في رصيده أن تدخله مع حلفائه أدى إلى خفض عوامل تقويض الاستقرار وساعد في ضبط ردود فعل عون وباسيل ضد التسوية الخارجية الأولية.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *