ثلاثة قمم صينية ستعقد قريبا في السعودية، الأولى مع البلد المضيف والثانية خليجية والثالثة على المستوى العربي، بحسب ما أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في مؤشر على تنامي العلاقات بين البلدين بالتزامن مع توتر علاقات الرياض مع الولايات المتحدة.
ومن المقرر أن تسبق هذه القمم زيارة مرتقبة للرئيس الصيني شي جينبينغ إلى المملكة، هي الأولى له منذ تلك التي أجراها للسعودية في 2016.
وعلى الرغم من تأكيدات الوزير السعودي، إلا أن السفارة الصينية في السعودية لم تعلق على سؤال فرانس برس حول الزيارة، فيما ذكرت وزارة الخارجية الصينية أنها لا تمتلك أي “معلومات لتقديمها” في هذا الشأن.
في 2016 زار الرئيس الصيني شي جينبينغ الرياض، ثم رد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الزيارة عام 2017، بصحبة وفد من ألف شخص. وفي 2019 أجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان محادثات مع شي في بكين، أبرما خلالها اتفاقا نفطيا بقيمة 10 مليارات دولار.
ويؤكد المحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي أن “القمة السعودية الصينية مقررة منذ زيارة الملك للصين وتم تأكيدها بعد زيارة ولي العهد للصين”.
ويكشف آل عاتي في حديث لموقع “الحرة” التوقيتات المتوقعة لزيارة شي والقمم المرتقبة التي ستلي ذلك، مبينا بالقول: ” بالنسبة لزيارة الرئيس الصيني سيكون موعدها أواخر هذا العام لكن لم يتم تحديد التوقيت بشكل نهائي حتى الآن”.
ويتابع آل عاتي أن “القمة الخليجية الصينية أيضا تم الاتفاق على عقدها وسيتم خلالها توقيع اتفاق تجارة حرة بين دول الخليج والصين.. أما القمة العربية الصينية فلا تزال قيد البحث والتنسيق وربما يتم الإعلان عنها قريبا”.
ويشير آل عاتي أن قضايا الطاقة والتبادل الاقتصادي ستكون على رأس جدول أعمال زيارة شي للسعودية والبحث في مزيد من التعاون بين البلدين في هذه المجالات، باعتبار أن الصين هي المستورد الأول للنفط السعودي.
وفيما إذا كانت الزيارة مرتبطة بالتوتر الأخير الذي شهدته العلاقات السعودية الأميركية يؤكد المحلل السعودي أن الزيارة “لم تكن وليدة اللحظة أو نتيجة لأية حسابات دولية أخرى وقد تم تحديد موعدها منذ فترة طويلة”.
ونشب خلاف بين واشنطن والرياض منذ اتخاذ أوبك+ قرارا هذا الشهر بخفض الإنتاج رغم أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن سعت إلى أن يؤجل التكتل هذا القرار لمدة شهر بعد انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة.
وتوترت العلاقات الأميركية السعودية منذ مجيء بايدن للسلطة، الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بجعل السعودية دولة منبوذة على خلفية مقتل جمال خاشقجي كما اتهمها بقتل أطفال اليمن.
ومع وصول العلاقات الأميركية السعودية إلى مستوى متدن، لجأ الأمير محمد بن سلمان إلى تعزيز العلاقات مع روسيا والصين، على الرغم من أن المملكة لا تزال تتمتع بعلاقات أمنية وثيقة مع واشنطن.
وتعتمد الصين على الشرق الأوسط المتقلب للحصول على احتياجاتها من النفط، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.
لكن آل عاتي يبين أن “السعودية تعتقد أن إقامة علاقات مميزة مع أية قوى دولية لن يكون على حساب علاقاتها مع الولايات المتحدة أبدا، التي هي علاقات مهمة جدا واستراتيجية تمتد لثمانية عقود”.
ويضيف أن “السعودية تحرص على استمرار هذه العلاقات بغض النظر عن الحزب الحاكم في البيت الأبيض”، لافتا إلى أن السعوديين “يدركون أن من الأهمية الحفاظ على علاقات متطورة مع قوة عظمى كالولايات المتحدة ودعمها ومعالجة أي فتور او خلافات قد تعتريها”.
ويقول آل عاتي أن “الخلافات موجودة مؤخرا والتباين يتزايد لكن هذا لا يعني أن السعودية ستفرط بعلاقاتها مع واشنطن”.
ويرفض آل عاتي فكرة أن التقارب السعودي الصيني جاء للنكاية بالولايات المتحدة أو أي دولة أخرى، “بل هي دليل على قوة القرار السعودي وسيادتها وأنها تستطيع علاقات متوازنة مع جميع القوى الدولية كروسيا والصين والهند والولايات المتحدة”.
بدوره يتفق الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات حسين عبد الحسين مع هذا الطرح ويرى أن “القمم المعلنة لا تدخل في باب النكاية من الولايات المتحدة”.
يقول عبد الحسين لموقع “الحرة” إن “هناك علامات أن الأزمة ليست بالفداحة التي بدت عليها في الأيام الأولى، خاصة بعد إشادة الولايات المتحدة بخطوات السعودية المتعلقة بأوكرانيا وتصويتها ضد روسيا في الأمم المتحدة وتقديمها لمساعدات لأوكرانيا”.
ويشير عبد الحسين إلى أن “الأزمة لن تزداد سوءا، والقمة السعودية الصينين لن تكون جزءا من التصعيد”، مبينا أن “الأزمة في طريقها للحل ولو خلف الأبواب المغلقة وبوسائل دبلوماسية غير معلنة”.
ويختلف حسين مع الرأي القائل إن السعودية تحاول استبدال الولايات المتحدة بالصين، ويؤكد أنه “حتى الآن باستثناء مبيعات الطاقة السعودية للصين، فإن حجم الاستثمارات الصينية في السعودية شبه معدوم على الرغم من الحديث عن تعاون عسكري واقتصادي بين البلدين”.
ويقول عبد الحسين إن “السعودية لا تزال مستندة تماما بشكل كامل على التقنية الأميركية سواء في مجالات الدفاع أو البنى التحتية أو تكنلوجيا تحلية المياه وغيرها من القضايا المهمة”.
التعليقات