التخطي إلى المحتوى

عندما غادر رئيس الحكومة اللبنانية المكلف نجيب ميقاتي القصر الجمهوري منذ أسبوع، متوجهاً إلى بريطانيا للمشاركة في وداع الملكة إليزابيت الثانية، ومن هناك إلى نيويورك لإلقاء كلمة لبنان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعد بأن يتوجه فور عودته إلى مقر الرئاسة وينام هناك إذا اضطر الأمر حتى الاتفاق على حكومة جديدة.

وترافق حديث ميقاتي مع أجواء تفاؤلية باقتراب موعد الحسم الحكومي، بعد أن كُشف عن دور لـ”حزب الله” في تقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من جهة، ورئيس الحكومة المكلف من جهة أخرى، إذ أكد عضو المجلس المركزي في “حزب الله” الشيخ نبيل قاووق أن الحزب قام بمساع مهمة خلال الأيام الأخيرة لتسريع عملية تشكيل الحكومة، معرباً عن أمله في أن تُشكل قبل نهاية سبتمبر (أيلول).

الموعد المفترض للقاء ميقاتي مع عون كان مقرراً يوم الثلاثاء 27 سبتمبر (أيلول) الحالي، لكن الزيارة لم تتم، فيما حل التشاؤم مكان التفاؤل، وعاد الحديث إلى المربع الأول مع عودة الحديث عن شروط جديدة فرضها باسيل من خلال رئيس الجمهورية، وبررت مصادر مقربة من ميقاتي لـ”اندبندنت عربية” عدم حدوث الزيارة، بأن الطرفين لم يغيرا موقفهما، في ظل استمرار عون على شروطه السابقة، ومنها قضية توسيع الحكومة لتصبح ثلاثينية، وإصرار الرئيس المكلف على رفضها.

وكشفت المصادر تعمد الميقاتي التريث لما بعد انتهاء المهمة التي بدأها المدير العام لجهاز الأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، علماً أن ميقاتي وفق أوساطه سبق وخطا خطوة باتجاه الرئيس عندما وافق على عدم استبدال وزير الطاقة وليد فياض المحسوب على التيار، كما وافق على استبدال وزير المهجرين بوزير درزي لا يستفز التيار ولا الحزب الديمقراطي حليف التيار، فيما تردد أن “حزب الله” ومن خلال حسين خليل، المعاون السياسي للأمين العام للحزب حسن نصرالله، كان توصل مع ميقاتي قبيل سفره إلى نيويورك إلى اتفاق يقضي بإبقاء الحكومة الحالية وإجراء تعديل على بعض الحقائب والأسماء، ومنها الاقتصاد والمهجرون والمال ونيابة رئاسة الحكومة.

عود على بدء

مصادر مطلعة على الاتصالات بين السراي الحكومي والقصر الجمهوري كشفت عن أن ميقاتي أرجأ الزيارة التي كانت مقررة إلى بعبدا (مقر القصر الجمهوري)، بعد أن أُبلغ من أحد العاملين على خط الوساطة بين الرئاستين، مجموعة شروط، طالب عون وفريقه السياسي أن يتعهد ميقاتي بإتمامها في الحكومة الجديدة، وفي مقدمها إقرار تعيينات في الفئة الأولى، على أن تملأ الشواغر من المقربين من عون والتيار الوطني الحر، وعاد فريق رئيس الجمهورية إلى المطالبة مجدداً بإقالة حاكم مصرف لبنان، وتعيين المدير العام للقصر الجمهوري أنطوان شقير مكانه.
وكشفت المصادر عن أن عون جدد المطالبة بتوسيع الحكومة وتعيين ستة وزراء دولة، على أن يكونوا سياسيين، بحجة أن المرحلة المقبلة تتطلب قرارات مصيرية، ما يستدعي مشاركة القوى السياسية في القرارات التنفيذية. ومن شروط رئيس الجمهورية القديمة الجديدة ربطه التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة مع توقيع رئيسها ووزير الداخلية بسام المولوي مرسوم التجنيس لمئات الأشخاص من رجال الأعمال السوريين والعراقيين.

في المقابل، تؤكد أوساط مقربة من رئيس الجمهورية أن لا شروط للرئيس عون وتنفي كل ما يُحكى عن هذا الموضوع، وتشير إلى أن هناك نقاطاً لا تزال عالقة تعوق تشكيل الحكومة، وهذه النقاط مرتبطة بالحكومة وتركيبتها وحجمها ودورها في المرحلة المقبلة، وكلها لا تزال تحتاج إلى نقاش بين عون وميقاتي، بخاصة أن رئيس الجمهورية لا يريد حكومة لتصريف الأعمال فقط.

ولم تخف أوساط الرئيس عون وجود خلاف حول الاسمين المتعلقين بنيابة رئاسة الحكومة وحقيبة الاقتصاد إضافة إلى حقيبة المهجرين، وفيما يسعى ميقاتي إلى تسمية وزير درزي للمهجرين لا يستفز رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يتزعمه وليد جنبلاط، يريد رئيس الجمهورية إبقاء هذه الحقيبة المعنية بملف النازحين ضمن حصة التيار الوطني الحر أو حلفائه، كما يريد أن يسمي بديلاً عن نائب رئيس الحكومة المحسوب على ميقاتي ليكون من المقربين من التيار، بينما يعمل ميقاتي على استبدال وزير الاقتصاد بآخر سني من الشمال سعياً لاسترضاء “كتلة إنماء عكار” والحصول على أصوات نوابها في جلسة الثقة. وتكشف مصادر مقربة من رئيس الجمهورية عن وجود نقاط عالقة مرتبطة ببعض المراسيم، رافضةً الكشف عن طبيعتها وما إذا كانت لها علاقة بدفعة جديدة من المجنسين.

ماذا لو بقيت حكومة تصريف الأعمال

لم يترك رئيس الجمهورية ومعه النائب باسيل فرصة في الآونة الأخيرة إلا وأعلنا فيها رفض تسليم صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى حكومة غير فاعلة، خصوصاً إذا لم تحصل انتخابات رئاسة الجمهورية قبل 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. ويلوح عون بسيناريوهات عدة للدفع في اتجاه تشكيل حكومة يمكن أن يحافظ تياره السياسي فيها على دور فاعل خصوصاً في ظل فراغ رئاسي محتمل، وهو ما دفع عضو المجلس المركزي في “حزب الله” الشيخ نبيل قاووق إلى الإصرار على تشكيل حكومة كاملة الأوصاف والصلاحيات، معتبراً أن لبنان لا يحتمل مزيداً من افتعال أية أزمات جديدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى عكس خبراء كثيرين وآراء سياسية تعتبر أن صلاحيات الرئيس يمكن أن تنقل إلى حكومة تصريف أعمال، على اعتبار أن الدستور لم يحدد شكل الحكومة بل نص على “حكومة”، يقرأ المقربون من التيار الوطني الحر في الدستور نفسه عكس ذلك. يقول الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي الدكتور عادل يمين لـ”اندبندنت عربية”، “يستحيل أن تتسلم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية في حال خلو سدة الرئاسة لأسباب عدة، أبرزها أن المادة 62 من الدستور تنيط صلاحيات رئيس الجمهورية في حال خلو سدة الرئاسة لأية علة كانت بمجلس الوزراء وكالة وليس بالحكومة، وبما أن مجلس الوزراء لا ينعقد في ظل حكومة تصريف أعمال إلا استثنائياً وليس بصفة دورية، وبما أن أي اجتماع لمجلس الوزراء بصفة اجتماع استثنائي يدعو إليه رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة، فإذا كانت الرئاسة شاغرة لا يوجد مرجع متخصص لدعوة مجلس الوزراء إلى الاجتماعات الاستثنائية، بالتالي لا يستطيع مجلس الوزراء أن ينعقد في ظل حكومة معتبرة مستقيلة وشغور في سدة الرئاسة، ومتى استحال انعقاد مجلس الوزراء استحال توليه صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة”.

الحكومة المستقيلة غير فاعلة

بحسب الأستاذ الجامعي عادل يمين أيضاً فإن الحكومة التي تعتبر مستقيلة تعمل بصفة استثنائية لأنها لم تعد حكومة عاملة، وهذا الاستثناء محصور بما أوردته الفقرة 2 من المادة 64 من الدستور، من أنها لا تمارس صلاحياتها إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، وهذا يعني أمرين، الأول أن دورها في هذه الحالة محصور بصلاحياتها فقط ولا يمكن أن يمتد إلى صلاحيات مرجع دستوري آخر، والثاني أنه حتى في ما يتعلق بصلاحياتها يتعين عليها أن تلتزم بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، بحيث لا يمكن في مثل هذه الحالة أن تضاف إلى حكومة مقيدة بتصريف أعمال صلاحياتها هي فقط، وبالمعنى الضيق أن تتولى صلاحيات سواها.

ويضيف يمين أن الحكومة التي هي بحال استقالة تكون خرجت بنسبة كبيرة من رقابة المجلس النيابي لأنه فقد القدرة على حجب الثقة عنها، وإذا تزامن ذلك مع شغور في سدة الرئاسة، فهذا يعني أن رئيس الدولة الذي يملك حق الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي من القرارات التي يتخذها المجلس خلال 15 يوماً من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية غير موجود، وهو ما يعطل الرقابة الرئاسية إلى جانب تعطيل الرقابة البرلمانية.

ويوضح المحامي يمين بأنه يستحيل على مجلس الوزراء حتى ولو في ظل حكومة مكتملة المواصفات الدستورية أن يتولى وكالة الصلاحيات اللصيقة بشخص رئيس الجمهورية، بحيث لا يمكنها بتاتاً البت بأي تفاهم محتمل حول ترسيم الحدود البحرية. ويستبعد يمين إقدام رئيس الجمهورية على إصدار مرسوم استقالة الحكومة لمنعها من الاستمرار بعده، مشيراً إلى أن المراسيم تصدر بالتزامن كما جرت العادة، وإلا ستكون خطوة غير منتجة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *