التخطي إلى المحتوى

نشرت في:

بالرغم من حجب السلطات الإيرانية لعديد تطبيقات التواصل مثل واتساب وإنستاغرام، فقد نجح الشباب الإيراني في توزيع دعوة للتظاهر يوم أمس السبت بمناسبة مرور شهر على اندلاع الاحتجاجات التي تلت وفاة الشابة مهسا أميني. وما هذا الإصرار الشبابي إلا مؤشر على أن الأزمة الإيرانية أعمق من كونها احتجاجات ظرفية وربما تحمل في طياتها بوادر تغيير سياسي.

بدأت الازمة كما هو معلوم إثر مقتل الشابة الإيرانية على خلفية عدم احترامها لآداب لباس الحجاب الإسلامي المفروض رسميا. ولهذا الموضوع رمزيته الكبيرة على المستوى السياسي. أولا لأنه يحيل على أحد أهم رموز النظام السياسي الإيراني وهو الدين. ثانيا لأن هذه الاحتجاجات استهدفت أيضا رأس النظام آية الله علي خاميناي وليس مثلا الرئيس أو حكومته. وفي هذا تحول مهم بالمقارنة مع الاحتجاجات التي شهدتها إيران سابقا والتي كان محركها في عديد المرات مشاكل اجتماعية أو أخرى محلية. ثم ثالثا لأن موضوع الحجاب يحيل على إشكالية الحرية مما يعطي للاحتجاجات الحالية بالضرورة صبغة سياسية واضحة تستهدف النظام.     

على مستوى سوسيلوجي، يلاحظ هذه المرة أن الاحتجاجات شملت الفئة الشبابية والتي تمثل الأكثرية من التركيبة الديمغرافية للمجتمع الإيراني. وهذا يعني أن إمكانات تغذية الاحتجاجات في الشارع تبقى دائما موجودة مما يعطيها قدرة على الديمومة وخاصة قدرة على الانتشار الجغرافي لتشمل أغلب الجهات الإيرانية.  

لا يمكن أن ننسى أيضا أن الاحتجاجات الحالية تحدث في سياق أزمة اقتصادية بسبب العقوبات الدولية والتي ألقت بضلالها على الوضع الاجتماعي. أي أن احتمال توسع الاحتجاجات إلى الشرائح الشعبية يبقى قائما وهذا يعطيها نوعا من الوجاهة الاجتماعية لدى الفئات الفقيرة المحافظة.

قد تبدو هذه المؤشرات آنية، غير أنها تحيل في الحقيقة على أبعاد أعمق مرتبطة بطبيعة تطور الدولة والنظام السياسي. وهذا يعود بنا في جانب منه إلى فهم طبيعة الثورة الإيرانية لسنة 1979. فالأصل أن هذه الثورة ضد الشاه كانت من أجل الحريات بالأساس وضد نظام كانت تنعدم فيها مساحة التعبير. نجحت الثورة غير أن من قطف ثمارها كانت الارستقراطية الدينية وحولتها إلى مشروع دولة إسلامية. لذلك بقيت المطلبية لسياسية بمثابة الرغبة المكبوتة داخل المجتمع والتي تنتظر سياقا مناسبا للبروز.

لجملة هذه الأسباب يمكن القول أن إيران قد تكون مقبلة على تغيرات سياسية عميقة نحو دمقرطة النظام السياسي خاصة في ظل المغامرات العسكرية التي انخرطت فيها إيران مؤخرا في العراق وفي سوريا وفي اليمن وسابقا في لبنان.    

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *