التخطي إلى المحتوى

في استثناء دستوري نادر، أقدم العاهل السعودي، الملك سلمان عبد العزيز، الثلاثاء، على خطوة مفاجئة، بإصداره أمرا ملكيا قضى بموجبه تعيين نجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رئيسا لمجلس الوزراء، ما أثار التساؤلات حول التوقيت والأسباب.

فبينما رأى معارضون ومراقبون الخطوة بأنها جاءت محاولة لمنحه حصانة قانونية في الولايات المتحدة الأميركية ضد قضية ترتبط بمقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، رأى مدافعون عن المملكة أنه جاء لترقية الأمير الذي يحكم البلاد فعليا.  

ورفعت التركية خديجة جنكيز، خطيبة الصحفي السعودي الراحل، جمال خاشقجي، ومنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي “داون” الحقوقية التي كان قد أسسها قبل وفاته، دعوى بحق محمد بن سلمان، أمام محكمة أميركية، في أكتوبر 2020، واتهماه بإصدار أمر قتل خاشقجي. 

وطلبت المحكمة ومقرها في العاصمة واشنطن، رأي الإدارة الأميركية، فيما إذا كان يجب منح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حصانة سيادية في القضية المدنية. 

وفي يوليو الماضي، وقبل زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن للسعودية، في منتصف ذلك الشهر، سعت الإدارة الأميركية إلى تأجيل تقديم ردها إلى المحكمة، التي كانت قد حددت موعدا هو الأول من أغسطس. 

وقالت صحيفة “الغارديان” في ذلك الوقت، إن جون بيتس، قاضي المحكمة الجزئية، وافق على منح الإدارة الأميركية مهلة نهائية حتى الثالث من أكتوبر المقبل، لإعلان حكمها في القضية المدنية ضد محمد بن سلمان. 

“مناورة يائسة”

وبعد إصدار الملك سلمان، أمرا ملكيا بأن “يكون صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد رئيسا لمجلس الوزراء، استثناءً من حكم المادة (السادسة والخمسين) من النظام الأساسي للحكم، ومن الأحكام ذوات الصلة الواردة في نظام مجلس الوزراء”، بعدما كان نائبا لرئيس المجلس، رأت منظمة داون، أن السبب الوحيد لهذا القرار هو محاولة منع محاكمته في الولايات المتحدة. 

وقالت المديرة التنفيذية لمنظمة داون، ورئيسة قسم الشرق الأوسط بـ”هيومن رايتس ووتش” سابقا، ساره ليا واتسون: “هناك سبب واحد فقط، لإضافة لقب رئيس الوزراء لمحمد بن سلمان، بالإضافة إلى ألقابه العديدة غير المكتسبة، وهو أنها مناورة يائسة للحصول على حصانة في الدعوى القضائية التي رفعناها ضده بتهمة قتل جمال خاشقجي، بالإضافة إلى دعاوى قضائية أخرى ضده”. 

وعبر خالد الجبري، وهو رائد أعمال في مجال التقنية الصحية وطبيب قلب مقيم في الولايات المتحدة، وهو نجل المعارض السعودي والمسؤول الاستخباراتي السابق سعد الجبري، على حسابه على تويتر بأنه “ليست صدفة أن يُستثنى المتهم محمد بن سلمان من النظام ويُعين رئيساً للوزراء، قبل أقل من أسبوع من موعد قرار إدارة بايدن عن ما إذا كان يستحق الحصانة السيادية في قضية اغتيال خاشقجي، والتي لا تمنح إلا للملوك ورؤساء الوزراء”. 

“سنتواصل مع المحكمة”

ورأى الناشط السعودي المعارض عبدالله العودة أن “تنصيب محمد بن سلمان نفسه رئيساً للوزراء لن يغير شيئا في الداخل عمليا، لأن الخطوة هدفها الوحيد محاولة تحصينه قانونياً في الخارج في القضايا المرفوعة ضده.. تحت قاعدة أن رئيس الدولة (ورئيس الوزراء؟) يمتلك حصانة (بينما منصب ولاية العهد لوحده لايعتبر محصّنا وفقاً للقوانين الدولية). 

من جهته قال المتحدث باسم منظمة “داون”، رائد جرار، لموقع “الحرة” إن “فريق المحامين الخاص بالمنظمة، توصل إلى استنتاج أن هناك رئيس دولة واحد في السعودية، وهو الملك”، معتبرا أن “هذه محاولات من محمد بن سلمان للهروب من العدالة بأن يعطي لنفسه مناصب حكومية ليس لها تأثير على قرارات الولايات المتحدة”. 

وأضاف أن “الحكومة الأميركية ستعطي رأيها في القضية ثم هناك انتظار قاضي المحكمة أن يعطي رأيه فيها”. 

وأشار إلى أن “فريق المنظمة ومحامينا سيقومون بالتواصل مع المحكمة لتوضيح وجهة نظرنا”. 

“مكافأة لجهود الأمير”

في المقابل قال الكاتب السعودي، سليمان العقيلي، إن “مرسوم الملك سلمان هو تقنين لواقع موجود فعلا بعد أن أثبت الأمير محمد كفاءته في إدارة الدولة والإشراف على أعمالها خاصة بعد إطلاق رؤية 2030 ومشاريع وطنية جعلت من المملكة مثالا يحتذى به”. 

وأكد في حديثه مع موقع “الحرة”، أن “القرار يهدف أيضا إلى ترفيع الجانب الدستوري والبروتوكولي لولي العهد بحيث أن رئيس الحكومة منصب سيادي له مهمات وخصائص تختلف عن الصفة الملكية لولي العهد”.  

وأشار إلى أن “هذا التعيين يدعم في الحقيقة الموقع التفاوضي لولي العهد في اجتماعاته مع قادة العالم، وهو أيضا يرفع بطريقة أو بأخرى الطريقة البروتوكولية أثناء استقباله في عواصم العالم خارج المملكة”. 

ووصف الحديث بأن إصدار قرار ترقية ولي العهد إلى منصب رئيس الوزراء لمنحه حصانة ضد محاكمته في الولايات المتحدة بأنها “آراء ووجهات نظر تخالف الحقائق الثابتة التي تقول إن الأمير محمد يدير البلاد فعلا وهي تهيئة له لخلافة الملك سلمان”. 

وأضاف: “الأمير محمد على كل حال لا يخشى شيئا وموقفه القانوني واضح وليس هناك أي التباسات، والمملكة تشق طريقها بقوة نحو النهوض كقوة إقليمية فاعلة ذات دور ومكانة ولن تلتفت للضغوط السياسية سواء جاءت من الولايات المتحدة أو غيرها”. 

واعتبر أن “هذا القرار الملكي جاء بوقت تمر فيه المملكة بعمل تنموي كبير وواسع ويمر فيه المجتمع السعودي بانفتاح وهناك تحولات اقتصادية وإدارية واجتماعية نشهدها بفضل سمو ولي العهد، ولذا فإن مثل هذا القرار لتسهيل الانتقال السلس للسلطة مستقبلا”. 

“المناخ الحالي ليس مواتيا”

الخبير القانوني الأميركي، روبرت باتلو، قال لموقع “الحرة”، إنه “من الصعب رؤية محاكمة ضد ولي العهد السعودي هنا في الولايات المتحدة”، مشيرا إلى أن “ما تفعلة أميركا عموما في مثل هذه الحالات، هو إصدار عقوبات وطنية إذا تم اتهام شخص بجريمة مثل تلك”.

لكنه قال إن الأمر يختلف مع النظام السعودي، “الذي لم تتخذ ضده إدارة ترامب أي إجراء، ولا حتى بايدن الذي كان قد تعهد بجعلها دولة منبوذة، “بدلا من ذلك زارها تحت وطاة أزمة النفط والحرب في أوكرانيا، مما يمنح محمد بن سلمان الشرعية”. 

وقال: “لا يبدو أن إدارة بايدن مستعدة في الوقت الحالي أن تتخذ موقفا ضد ولي العهد السعودي خاصة بعد ترقيته إلى منصب رئيس الوزراء، كما أن المناخ الحالي ليس مواتيا”. 

وأضاف: “على الأرجح، سيكون محمد بن سلمان محميا من أي عقاب من قبل الولايات المتحدة الأميركية خاصة أن أي إجراء في هذا الإطار الآن سيرتد على أسعار الوقود، ولذلك لن يتم فعل أي شيء حاليا، بسبب الميزة الفريدة للنفط السعودي”.  

من جهته قال كبير الباحثين في مركز التقدم الأميركي، لورانس كورب: “لا أحد لديه حصانة في الأساس،  لكننا في الولايات المتحدة لا نحاكم الأشخاص الذين هم في السلطة، وبمجرد تركهم السلطة، يمكن محاكمتهم”. 

وأضاف كورب في حديثه مع موقع “الحرة”: إن “محمد بن سلمان هو رئيس الحكومة السعودية فعليا منذ وقت طويل، والرئيس بايدن زار المملكة وقابله، مما يمنحه الشرعية، ولذلك لا أعتقد أنه ستتم محاكمة ولي العهد”. 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *