التخطي إلى المحتوى

منذ ما قبل دخول البلاد المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، والتي تنتهي قانونًا في غضون أسبوع واحد، يُطرَح اسم رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية بوصفه “مرشحًا طبيعيًا” للرئاسة، بل “المرشح المفضّل” لفريق “8 آذار”، وتحديدًا “حزب الله”، خصوصًا بعدما كاد “بيك زغرتا” يصل إلى قصر بعبدا قبل ستّ سنوات، بدعم داخلي وخارجي، لكنّه اصطدم بـ”الوعد” الذي كان الحزب قد قطعه للرئيس ميشال عون.

رغم ذلك، لم يُطرَح اسم فرنجية في كلّ الجلسات التي تمّت الدعوة إليها، حيث فضّل فريق “8 آذار” الاقتراع بأوراق بيضاء على تسميته، في استراتيجية التزمت بها الكتلة المحسوبة على فرنجية نفسه، والتي تضمّ بين أعضائها نجله النائب طوني فرنجية، وهو ما فسّره البعض بعدم رغبة هذا الفريق بـ”إحراق” اسم فرنجية، طالما أنّ ظروف الاستحقاق الرئاسي لم تنضج بعد، وطالما أنّ فرص نجاحه “غير مضمونة”، حتى الآن على الأقلّ.

وثمّة من ربط هذه الاستراتيجية بموقف رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، الذي لم يستطع “حزب الله” حتى الآن إقناعه بدعم فرنجية، باعتبار أنّ حظوظه أكبر، وهو ما جعل الحزب يقف “على الحياد”، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا، ولو أنّ ذلك يفتح الباب أمام الكثير من علامات الاستفهام، وعلى رأسها: هل تريد “8 آذار” إيصال فرنجية إلى قصر بعبدا، أم أنّ حساباتها باتت في مكان آخر بالمُطلَق؟!

“المرشّح المفضّل”
رغم أنّ “حزب الله” لم يعلن حتى الآن اسم مرشحه للرئاسة، وقد هرب من “الإحراج” الذي قد يرتّبه عليه “التفضيل” بين فرنجية وباسيل، عبر اللجوء إلى حيلة “الأوراق البيضاء” حتى أجَل غير مسمّى، مع الدعوة اللافتة إلى “التوافق” على مرشح “وسطي”، فإنّ القاصي والداني يدرك أنّ “المرشح المفضل” للحزب ولفريق “8 آذار” يبقى فرنجية، للكثير من الأسباب والاعتبارات، على رأسها التزام الأخير بخطّ هذا الفريق، مع الانفتاح على مختلف القوى السياسية.

 لكنّ هذا “التفضيل” لفرنجية يصطدم بالعديد من المعوّقات، أبرزها فشل محاولات “التقريب” بين فرنجية وباسيل، رغم الوساطات التي قادها “حزب الله” في هذا الإطار، منذ الإفطار الرمضاني الشهير الذي رعاه الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله شخصيًا، وجمع فيه كلاً من باسيل وفرنجية على طاولة واحدة، وقيل إنّه يؤسّس لـ”مصارحة ومصالحة” بين الجانبين، بدأت تجلياتها بالظهور بعد الانتخابات النيابية، حتى ما قبل فتح “بازار” الرئاسة.

ورغم عدم تسجيل سجالات مباشرة بين الجانبين طيلة الفترة الماضية، في ظلّ ما يشبه “الهدنة” غير المُعلَنة، إن جاز التعبير، فإنّ كلّ الأجواء تشي بصعوبة إعادة “الودّ” إلى العلاقة بين الجانبين، حيث يكرّر باسيل رفضه “دعم” ترشيح فرنجية، باعتبار أنّ الأخير لا يمتلك برأيه “الحيثية المطلوبة”، ولا أسباب تدفعه لمساندته رئاسيًا، علمًا أنّ بعض الأوساط السياسية تعزو ذلك إلى فشل الجانبين في التوصّل إلى “تفاهم” شامل على إدارة “العهد”. 

ظروف غير مشجّعة

مع ذلك، ثمّة من يقول إنّ “حزب الله”، لو أراد فعلاً إيصال فرنجية إلى قصر بعبدا، لاستطاع أن يقنع حلفاءه بذلك، وعلى رأسهم رئيس “التيار الوطني الحر”، استنادًا إلى ميزان “الربح والخسارة”، لكنّ الحقيقة وفقًا لهؤلاء، أنّ الحزب يفضّل اليوم الذهاب إلى خيار “توافقي”، خصوصًا بعد “تجربة” العهد الحالي التي لم تكن “مشجّعة” بالنسبة إليه على الإطلاق، بعد تحميله مسؤولية تراكمات لا تقع على عاتقه بمفرده مبدئيًا.

لكن، إلى هذا الرأي الذي قد يحتمل الصواب، في بعض جوانبه على الأقلّ، ثمّة من يعتبر أنّ “8 آذار” بصورة عامة مقتنعة بأنّ الظروف لا تميل لصالح فرنجية في الوقت الحالي، حتى لو “اقتنع” باسيل بالتصويت له، وهو أمر مُستبعَد، إذ إنّ “خريطة” توزيع القوى النيابية لن تصبّ في صالحه، خصوصًا في ظلّ لعبة “إفقاد النصاب” التي فرضها “حزب الله” وسيلة ديمقراطية مشروعة، ويقال إنّ المعارضة لن تتردّد في استخدامها ضدّ فرنجية.

مع ذلك، ثمّة في فريق “8 آذار” من يعتقد أنّ فرنجية قادر بعلاقاته العابرة للاصطفافات، على الوصول إلى قصر بعبدا، خصوصًا إذا ما قرّر “حزب الله” خوض معركته، فالرئيس ميشال عون مثلاً قبل ستّ سنوات كان مرفوضًا أكثر بكثير من فرنجية، ومع ذلك فإنّه نجح في إقناع خصومه قبل حلفائه بانتخابه في نهاية المطاف، ما يعني أنّ “لا شيء مستحيلاً” في السياسة، ولو أنّ الظروف تبدو شديدة الاختلاف، على أكثر من صعيد.

صحيح أنّ حظوظ فرنجية قد لا تبدو عالية في ظلّ الظروف الموضوعية الحالية، لكنّ اللافت بحسب كثيرين أنّ الرجل لم يطلق “معركته” بعد، كما أنّ “حزب الله” يتجنّب إعلان دعمه، مثلما فعل مع عون قبل ستّ سنوات، بل إنّ حركة “أمل” نفسها لم تعلنه مرشحًا لها، ما يدفع كثيرين إلى الاعتقاد بأنّ مقاربة “8 آذار” للرئاسة اليوم تبدو مختلفة، وكأنّها تفضّل الذهاب إلى مرشح من خارج صفوفها، ولو لـ”عهد انتقالي”، إن جاز التعبير!

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *