التخطي إلى المحتوى

أقفال الحبيرنو العشاق للجسور، تهفو قلوبهم إليها، هناك تتصاعد أجساد العاشقين، وما تحتويه الأفئدة، فالعاشقون المولعون بالهوى حينما يقررون تخليد قصصهم والارتقاء بعلاقاتهم الروحية إلى الأبدية في حيز هذا الوجود، فإنه لا غنى لهم عن أقفال العشق الشهيرة.

لا غنى للمحبين عن الجسور، وجدران المدائن، وكأن قدر تلك الحوائط الأسمنتية المتخمة بأقفال العشق الإتكاء على قصص و مشاعر أولئك الذين ارتموا في بحر لُجي من الحب.

فللمحبين أسلوبهم، وطريقتهم في صوغ معاني البقاء، وما الأقفال إلا تأطير حميم للمشاعر المتضخمة، ونسائم العشق في دواخل كل منهم.

إلى جانب أنها دلالة على بقاء الحب واستمراره بين المحبين، أو ربما ذكرى لعاشقين محروقي الفؤاد، انتهت قصتهما دون أن يتأملا في أعذارهما جلياً.

وعلى غرار جسر العشاق في باريس، بدا لافتاً في منطقة بوليفارد رياض سيتي، جدار أحد متاجر الهدايا الشهيرة يكتنز بأقفال حب محملة برسائل الود والغرام.

فيما أحالت الأتربة وعوامل الزمن بعض تلك الرسائل إلى رماد العدم، تحلل حبرها ولم يعد بمقدور زائر المكان قراءة ما تحتويه تلك الأوراق الملصقة في الأقفال.

كان هذا الجدار في العاصمة الرياض، في منطقة بوليفارد، شاهداً على طيش الوجود وخياناته، وولادة قصص حب جديدة تستنبط للمحبين أزمنة أرحب.

أسرار الجدار تجذب زائر المكان، يغمر الفضول من يقف عند هذا الجدار، كأن البعض يرغب في استنطاقه عن تلك القصص، وهويّة أصحابها، وما آلت إليه أقدارهم.

تقول مشاعل أحمد، البائعة في ذلك المتجر حينما قررت الإفصاح عن أسرار العاشقين لـ”أخبار  24” إن فكرة تعليق الأقفال على جدار المتجر بدأت في عيد الحب، في الموسم الترفيهي الفائت، واستمرت حتى هذه اللحظة، ومعظم هذه الأقفال الملصقة تعود للعام المنصرم.

وأضافت: نهدي الأقفال لزبائننا بعد تبضعهم، مصحوبة بالأوراق، فيما البعض يشتريها بأسعار رمزية، ونهدف بهذه الفكرة إلى إتاحة المساحة لعملائنا من أجل التعبير عن مشاعرهم تجاه أحبابهم.

وبالقرب من جدار الأقفال الشهير، لا تنسى مشاعل البائعة حزن الخيانات الغليظ الذي كانت شاهدة عليه، حينما قررت البوح بخزائن الأسرار.

بذهول، تروي الفتاة العشرينية ما عاصرته. إذ ما تزال تتذكر قصة تلك السيدة التي لم يكد يمض عام على زواجها، حينما حضرت بمفردها إلى هذا المتجر لتشتري “الأقفال الشهيرة” في إطار التعبير عن مشاعرها تجاه زوجها، لتخبره بعدئذ بالمكان حتى يعود إليه، متفاجئا بقفل حبهما.

غير أن هذا الزوج حينما ارتاد المكان بمفرده قرر شراء قفل مماثل، وعوضاً عن تقديمه لزوجته، كان مدفوعاً بحنينه المتضخم، ونشوة حبه التي لم تهدأ تجاه فتاة أخرى يحبها.

ليقرر الزوج شراء القفل ويضعه على الجدار، ممهوراً بعبارات الحب لتلك التي يبادلها الهوى، بيد أنه قرر عن طريق الفيديو توثيق الأمر لمحبوبته، ليرسله عن طريق الخطأ إلى زوجته التي اكتشفت فداحة الأمر.

ألقى الوقت قوافل أحزانه على كاهل هذه الزوجة، حينما اكتشفت الخيانة، جاءت بعدئذ إلى مشاعل البائعة في المتجر الذي قصدته يوماً بحب، غير أنها حضرت هذه المرة محملة بالخيبة والوجع، لتزيل القفل الذي علقته على هذا الجدار، في دلالة على انكسار الفؤاد، وما لبثت إلا أن تهاوت سريعاً أمام البائعة، متأثرة بخيبتها التي سُجلت في دفاتر العمر.

تقول البائعة مشاعل، حضرت هذه السيدة والصدمة ترتسم على محياها. سمحت لدموعها بالانهمار أمامي. لا شيء يؤنسن الخيانة. انهارت بعدما عرفت أمر زوجها، طلبت مني إزالة القفل وتخلصت منه سريعاً.

في ذهن هذه الفتاة التي امتهنت بيع وتغليف الهدايا قصصاً لافتة. سمحت لها بيئة عملها داخل هذا المتجر، الاقتراب والتعرف على طبيعة مشاعر البشر، وكيف تطالها الجراح. وعلى مقربة لصيقة من جدار مرصع بنياشين الخيبات، وحكايات المحبين تقول مشاعل: أنا كنت شاهدة على انهيارات ناس كثير.

وفي سياق القصص المخضبة باليأس، تروي لـ”أخبار  24” قصة شاب، تُوج بشجن الحب، يرنو إلى امرأة تعذبه وتعجبه ولا ترنو إليه، ألصق القفل في جدار المتجر، بعد مرور وقت حضر إلى المكان مشحونا بغضب، تبدو علامات الانهيار واضحة على محياه. جاء راغباً هو الآخر في التخلص من هذا القفل، وخاصة بعدما خدشت فتاة أحلامه كبريائه حينما رفضته زوجاً لها.

فيما تتذكر مشاعل شاباً آخر لم يغسل قلبه من فتات قصة حب معجونة بالخيانة، تقول عنه البائعة، كان يحضر باستمرار يشتري الأقفال والأوراق الخاصة بها ليسكب كلمات الغضب بوفرة ضد محبوبته التي أوغرت صدره بالألم، على ذلك الجدار.

ولا تنسى مشاعل حكاية تلك الفتاة التي لطالما ربطت حياتها بمحبوبها، متأملة أن تتوج قصتهما بالزواج، غير أنها تجرعت مرارة الخيانة، لتأتي إلى المتجر الذي اشترت منه الأقفال الشهيرة، لتطلب إزالته من الجدار وحينما سألتها عن الأسباب التي دفعتها لذلك قالت ممتعضة لما حدث: أنا تركته ولم يكن بيننا نصيب.

 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *