“الميركاتو”، أو فترة الانتقالات، التي تشرع أبوابها لبضعة أسابيع مرتين في العام، تمثل أسابيع الآمال لعشاق كرة القدم، باعتبارها الفترة الوحيدة التي يمكن فيها للأندية الأوروبية شراء وبيع اللاعبين.
وتتيح الفترتان، للجماهير في جميع أنحاء القارة، الحلم بتعاقدات مع لاعبين جدد، قد تدفع فرقها للمجد، سواء في الموسم الجديد، أو بالنسبة للنصف الثاني منه (بالنسبة لنافدة التعاقدات الشتوية).
ولكن، وخلال فترة التعاقدات التي انتهت بالأول من سبتمبر، تركزت معظم الإثارة في إنكلترا، والدوري الممتاز (البريميرليغ)، الذي لا يبارى في كونه الأقوى والأكثر ثراء في العالم.
وأعلنت أندية الدوري الإنكليزي الممتاز عن تعاقدات قياسية وفقا لموقع ترانسفيرماركت، إذ أنفقت معا (20 ناديا) 2.24 مليار يورو (2.24 مليار دولار) على لاعبين جدد، وهو رقم يبدو أكثر بوضوح من 2.18 مليار يورو أنفقت في موسم 2017-2018 ولكن خلال فترتي الانتقالات مجتمعين.
كما أن هذا الرقم يبدو هائلا إذا علمنا أنه يتجاوز تقريبا حجم إنفاق كافة الأندية في بقية بطولات الدوري “الخمس الكبرى” في أوروبا، في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.
صحيفة “إيكونوميست” قدمت دراسة سريعة عن شكل الإنفاق الإنكليزي على اللاعبين هذا الصيف، مشيرة إلى أن جزءا منه يعود “إلى ظروف خاصة”.
فتشلسي مثلا، وهو أكثر الأندية التي أنفقت على شراء لاعبين هذا الصيف، بإجمالي 282 مليون يورو، لديه ملياردير جديد هو تود بويلي، يبدو حريصا على ترك بصمته على النادي.
أما مانشستر يونايتد، بحجم إنفاق 238 مليون يورو، فقد استقدم، بعد فترة طويلة من التعثر، مديرا فنيا جديدا هو، إريك تن هاغ، يحاول ترميم الأخطاء، وإعادة الفريق إلى سكة الألقاب.
وتعاقد مان يونايتد مع المهاجم البرازيلي أنطوني من أياكس الهولندي، مقابل 95 مليون يورو، وهو التعاقد الأغلى هذا الصيف.
ولم يقتصر السخاء على الأندية الكبرى، إذ أنفق نوتنغهام فورست، الصاعد حديثا إلى الدوري الممتاز، 162 مليون يورو لضم 21 لاعباً، وهو أكبر عدد من اللاعبين استقدمه فريق هذا الصيف.
لكن هذا الإسراف، بحسب إيكونوميست، كان مدفوعًا إلى حد كبير بنفوذ وشعبية الدوري الإنجليزي الممتاز، إذ تم مؤخرا إطلاق عقد بث دولي جديد، لمدة 3 سنوات بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني (5.8 مليار دولار).
ووفقًا لمجموعة ديلويت الاستشارية، سيرفع هذا العقد عائدات أندية الدوري الإنكليزي الممتاز بما يتجاوز 7 مليارات يورو، بزيادة قدرها 9% عن الموسم الماضي، وهو تقريباً ضعف ما تحققه أندية “لا ليغا” الإسبانية، وهو الدوري الأوروبي الثاني في الترتيب من ناحية العائدات.
وفي المتوسط، من المتوقع أن يحصد كل نادٍ في البريميرليغ ما يقرب من 349 مليون يورو، وهو ما يعني أن الفجوة مع بقية أوروبا آخذة في الاتساع، حتى مع الإشارة إلى أن أكثر من 60% من قيمة الإنفاق هذا الصيف، ذهبت إلى أندية خارج إنكلترا.
ومع كل ذلك، ترى إيكونوميست أنه، ورغم نمو الإيرادات الهائل، إلا أن قلة من الأندية تحقق أرباحا.
ووفقًا لمدونة كرة القدم Swiss Ramble، أبلغ فريقان فقط من الدوري الإنجليزي الممتاز عن أرباح تشغيلية في المواسم العشرة حتى 2019-20، وذلك بسبب حجم الإنفاق الهائل.
ويدفع إسراف الأندية الإنكليزية، الأندية الأخرى في القارة للإنفاق أكثر بغرض البقاء على المنافسة، وقد باع العملاق الإسباني برشلونة هذا الصيف العديد من أصوله، بما في ذلك حصة من الدخل المستقبلي، لتمويل التعاقدات الجديدة.
وإجمالا أنفق برشلونة 153 مليون يورو، وهو أكبر رقم تم إنفاقه من قبل ناد غير إنكليزية.
ولمواجهة ذلك، تحاول الهيئات الرياضية كبح جماح الإنفاق المتهور، وقد أعلن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم عن قيود تمنع الأندية من إنفاق أكثر من 70% من إيراداتها على الانتقالات والأجور وأتعاب وكلاء اللاعبين، بحلول عام 2025.
ويخطط الدوري الإنكليزي الممتاز، بشكل منفصل، لإدخال قيود مماثلة، بحسب صحيفة التايمز،
وفي المتوسط، يتجاوز إنفاق الأندية في جميع البطولات الخمس الكبرى، باستثناء ألمانيا، حاليا، حد الـ70% المستهدف من قبل “يويفا”.
ويعني ارتفاع عائدات الدوري الإنكليزي ترسيخ الفجوة بينه وبين بقية القارة، وهو ما قد يدفع العديد من الأندية الكبرى في أوروبا إلى السعي مجددا لإطلاق دوري السوبر الأوروبي، وهي منافسة، منشقة، مغلقة على عدد من فرق النخبة في القارة.
وقد أحبطت محاولة لإطلاق تلك البطولة المثيرة للجدل عام 2021، بعدما ثار المشجعون وتخلت الأندية الإنكليزية الستة عن الفكرة.
ولكن الآن، فقد بات اختيارها أكثر سهولة، إذ باتت بالفعل تشارك فيما يمكن اعتباره “دوري سوبر” خاص بها، بحسب الصحيفة التي ترى أن ثراء وعائدات الدوري الإنكليزي ليست “أمرا صحيا” لمستقبل كرة القدم، إن بقي الأمر على تلك الحالة.
التعليقات