لوسي بارسخيان – نداء الوطن
مع أن مؤتمر الإنتشار الثالث الذي عقد في قصر بلدية زحلة خلال نهاية الأسبوع الماضي، ظهّر حجم دور الإغتراب الزحلي خلال السنتين الماضيتين من خلال تقديمه الدعم للفئات الاكثر ضعفاً في المدينة، إلا أنه كشف أيضاً حجم المعاناة المتفاقمة في بيوت كثيرة بات اعتمادها كبيراً على أي دعم يصلها من الخارج سواء لتعليم أولادها، أو لتأمين دفء الشتاء وأحياناً حتى للحصول على الغذاء والدواء.
وفقاً للارقام التي عرضتها رئيسة «جمعية بيت عذراء الفقراء» كريستيان عيسى نحاس باسم تجمع الجمعيات الأهلية في زحلة، وهي جمعية تعنى أيضا بتأمين الدواء للفئات المهمشة، فقد بلغ عدد هؤلاء نحو 500 مريض حتى الآن، وكان للجمعيات الزحلية تدخلات إنسانية متعددة خلال السنتين الماضيتين، فرضت تنسيق الجهود لمنع الإزدواجية بالتقديمات.
بدأت باكورة هذا التعاون من خلال مبادرة أطلقها المغترب الزحلي نبيل الشرتوني خلال جائحة «كورونا»، سمحت بتوزيع نحو ألفي طبق لأربعة ايام أسبوعياً على أفراد وعائلات زحلية معدمة، بعضهم كبار في السن ويعاني البعض الآخر من ظروف صحية وإجتماعية صعبة.
ولادة تجمع الجمعيات خلال هذه الفترة سمح بتنسيق الجهود بينها في عملية توزيع مادة المازوت في فصل الشتاء، وقد توفرت تكاليفه مباشرة من اندية زحلة في الإغتراب وبعض المغتربين حيث بلغت نسبة مساهمة أندية زحلة في الإنتشار أكثر من 60 بالمئة من الكلفة الإجمالية لكميات المازوت التي وُزعت وبلغت قيمتها في العام الماضي نحو 56 ألف دولار، بالإضافة الى مساهمة مغتربين أفراد بنسبة 13 بالمئة من المبلغ أيضا.
وفقا للأرقام أيضا فإن عدد العائلات التي استفادت من هذه المساعدات بلغ 600 عائلة زحلية، وهؤلاء قد يحتاجون هذا العام إلى مبلغ يصل الى 120 الف دولار لتأمين احتياجاتهم من المازوت، خصوصا ان سعر الصفيحة بات أغلى بكثير، علما أن UNHCR ساهمت في العام الماضي بتحمل جزء من هذا العبء من خلال برنامج دعم الشتاء للبنانيين الذي نفذ لمرة واحدة وشمل 2300 عائلة في مختلف أنحاء لبنان، فحصلت كل عائلة على مبلغ 160 دولارا لتأمين حاجيات الشتاء القارس. وقد ظلم المتقدمون بالسن في زحلة بحرمانهم من هذه المساعدات خصوصا أن معظمهم لا يملك اجهزة هاتف خليوية شكلت وسيلة التواصل الوحيدة من قبل الـ UNHCR مع المستفيدين، ما جعل إعتمادهم على جمعيات زحلة بشكل اساسي.
وفقا لنحاس فإن الحاجة تتزايد هذا العام، خصوصا أن سعر صفيحة المازوت بات يفوق إمكانيات الكثيرين، علما أن الطلب المتزايد في العام الماضي لم يسمح بتلبية الحاجات إلا وفقاً للكميات المتوفرة، بعدما تمدد موسم الشتاء حتى شهر آذار. ومن هنا كان تأكيد على أهمية إستمرار التنسيق بين الجمعيات وأندية زحلة في العام الجاري، بعدما وجهت الدعوات للمنتشرين حتى يباشروا حملاتهم في جمع التبرعات، خصوصاً ان موسم الشتاء بات على الأبواب.
تنسيق الجهود في توزيع كميات المازوت ينسحب أيضا على توزيع الاطباق اليومية، الدواء، الحليب، الحفاضات، والحصص الغذاية بالإضافة الى بعض نواحي الإستشفاء. وقد نجحت الجمعيات الزحلية وفقا لأوساطها بوضع داتا واضحة بأسماء الأشخاص الأكثر تضررا من الازمة الإقتصادية التي يمر بها لبنان، وهو ما سهل مهمة التواصل مع الراغبين بالمساعدة، منعا للإزدواجية في مساعدة بعض الاشخاص مقابل حرمان آخرين من الدعم الذي يحتاجونه.
هذه الحاجة المتفاقمة للمازوت والغذاء اليومي تتمدد ايضا الى القطاع التربوي. ومع أنه قلما يسمع عن تسرب مدرسي لتلاميذ زحلة من المدارس الخاصة الى المدرسة الرسمية، فإن حاجة الاهل للدعم بأقساط اولادهم تتزايد سنوياً، وهو ما تنبهت إليه لجنة المساعدات المدرسية في زحلة التي تأسست تحت مظلة بلدية زحلة لمساعدة المتعثرين في تسديد الأقساط.
وفيما يبدو التسرب المدرسي في مدينة زحلة جغرافياً فقط، اي من مدرسة خاصة الى أخرى قياسا الى مسافة بعدها عن مكان السكن، فإن عدد التلاميذ الذين يستفيدون من برنامج الدعم في الأقساط عبر الجمعية بتزايد مضطرد، تدرج من 780 طالباً في 14 مدرسة خاصة بلغ حجم مساعدتهم مليار ليرة سنة 2020 بنسب من الأقساط المدرسية تراوحت بين 25 و75 بالمئة ليرتفع الرقم سنة 2021 الى 2400 طالب في 15 مدرسة في زحلة بلغ مجموع حجم مساعداتهم 4.5 مليارات ليرة، وفقا للأرقام التي عرضتها خلال مؤتمر الإنتشار الدكتورة منال مسلم، كاشفة أن حجم المساعدات للعام الدراسي الجاري ستشمل 3185 طالبا في 17 مدرسة في زحلة. علماً أن الجمعية إستفادت بعد إنطلاقها في العام الأول من دعم جمعية لبنانية عاملة في سويسرا تمكنت من جمع تبرعات من جهات غير لبنانية مشترطة تأمين العلم لتلاميذ من خارج زحلة أيضا، ما رفع حجم الدعم المدرسي المقدم من الجمعية للمتعثرين الى 11 مليار ليرة، ستتضمن دعم اقساط تلاميذ مدارس في عكار والجنوب أيضا. ليرتفع بذلك عدد الطلاب المستفيدين من برنامج الجمعية الى 5750 طالبا في كل لبنان، موزعين بين 17 مدرسة في زحلة والبقاع و23 مدرسة خارج المحافظة.
والجمعية السويسرية ليست وحدها من يقدم الدعم، إنما تنسق لجنة المساعدات المدرسية الجهود أيضا مع جهات مانحة أخرى، لمنع الإزدواجية في إستفادة الطلاب، الأمر الذي تمنت مسلم ان يتفاعل معه المغتربون الذين لديهم أيضا إسهاماتهم في القطاع التربوي، خصوصا أن بعض الواهبين إشترط مقابل كل مساهمة بالدولار الطازج، دولاراً موازياً عبر مصادر أخرى، ما يعني أن أي مبلغ ستحصل عليه الجمعية من أندية الإنتشار سيتضاعف فوراً عبر تقديمات الجهات المانحة.
هذا الجهد الذي تبرزه المجتمعات الأهلية يحاول أن يملأ غياب الدولة وسياساتها التي تكاد تقتصر على قرارات يصعب فرضها على المدارس، خصوصا أن على الأخيرة أعباء تتزايد في المناطق الجبلية خصوصاً، حيث لا يمكن توفير العلم من دون تدفئة الاولاد وتأمين الكهرباء والمياه وغيرها من المستلزمات الأساسية، بالإضافة الى رواتب الأساتذة وكلفة إنتقالهم والتلاميذ الى المدارس، إذ لا يمكن ان يطلب من الأساتذة الإلتحاق بمدارسهم من دون توفير الحد الادنى من إمكانية بلوغهم المدرسة بسياراتهم. ومن هنا يشكل دعم تلاميذ زحلة في مدارسهم دعماً أيضا للاساتذة. ووفقا لمسلم «من دون أستاذ لا يوجد مدرسة».
هذا الجهد في المقابل دونه تحديات، وأبرزها كما توضح مسلم، طول الازمة اللبنانية بمقابل ولادة أزمات دولية قد تشيح نظر العالم عن لبنان الى أماكن أخرى كأوكرانيا مثلا. هذا في وقت تشكل الهبات من غير اللبنانيين نسبة 80 بالمئة من الدعم المتوفر للمدارس الخاصة، فيما زحلة تستفيد من هذه الهبات بنسبة 60 بالمئة. ومن هنا تمنت مسلم أن يكثف الإغتراب الزحلي دوره في جمع مزيد من الدعم للمدارس.
وكان مؤتمر الإنتشار عقد على مدار ثلاثة ايام باحثاً في صمود المدينة خصوصا بالتعاون بين جناحيها المقيم والمغترب ليختتم بتوصيات شددت على ضرورة شد اواصر التواصل بينهما، وخصوصاً مع الجيل المنتشر الشاب.
التعليقات