التخطي إلى المحتوى

لم يكن “حزب الله”، ومعه حركة “أمل”، بعيدين عمّا آلت إليه نتيجة الجلسة الأولى – البروفا” لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومعهما بالطبع “التيار الوطني الحر” و”تكتل الوطني المستقل” وعدد من النواب الذين يدورون في فلك محور “الممانعة”. 

 

فـ”سيناريو” الورقة البيضاء كان من تأليف وتلحين وإخراج “حزب الله”، الذي أراد من خلال هذا “التكتيك” إصابة عصفورين بحجر واحد: العصفور الأول كان بتجّنب تسمية رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، وذلك تلافيًا لإحراج رئيس “التيار الوطني الحر” وكتلة “الطاشناق”. 

 

أمّا العصفور الثاني فكان بالتصويت لـ”فخامة الورقة البيضاء” بـ 63 صوتًا، وهو الحدّ القصى الذي يمكن أن يصل إليه “الحزب”. ولولا مسايرة “التيار الحر” ونواب “الطاشناق” لكان العدد وقف عن حدود الـ 42 صوتًا، أي أنه كان تساوى بالأصوات مع النائب ميشال معوض، الذي حصل على 36 صوتًا، تُضاف إليها أصوات أربعة نواب لم يحضروا الجلسة. 

 

يقرأ “حزب الله” هذه المشهدية كما قرأها الرئيس نبيه بري، الذي إشترط من أجل توجيه دعوة جديدة لعقد جلسة أخرى للإنتخابات حصول توافق وطني حول مرشح واحد، أي أن يحصل على أصوات ثلثي المجلس النيابي زائد واحد (86 صوتًا) كحدّ أقصى في الدورة الأولى وعلى نصف الأصوات زائد واحد (65 صوتًا).  

 

فهل شرط التوافق للرئيس بري، ومن ورائه “حزب الله”، ممكن التحقيق في ظل هذا الإنقسام الحاد بين اللبنانيين الممثلين في المجلس في شكل أو في آخر؟ 
في الظاهر يمكن القول وفي صورة سريعة، وإستنادًا إلى ما أفرزته جلسة الخميس من تحديد جديد للأحجام، أن التوافق على إسم رئيس واحد موحَد وموحِد هو من الأمور المستحيلة، وما أكثر الأمور المستحيلة في لبنان في هذه الأيام الصعبة والخطيرة.  

 

وفي الظاهر أيضًا أن لا أحد من الكتل الوازنة في المعادلة السياسية الداخلية مستعدّ للتنازل عمّا يعتقده صوابًا، ويصبّ بالتالي في خانة “المصلحة الوطنية العليا”، التي أصبحت “شماعة” يحاول كل فريق أن يعلّق عليها مصالحه الخاصة. 

 

فلا “فريق الممانعة” على إستعداد للتسليم بالأمر الواقع، وبما أفرزته الإنتخابات النيابية الأخيرة من نتائج فاجأت الجميع. ولا ما يُسمّى بـ”الفريق السيادي” سيتنازل عن “مكتسبات” الربح والخسارة، وهو غير مهيأ للمساومة على الشعارات التي خاض على أساسها الإنتخابات النيابية، ومن أهمها طرح “مشروعية” سلاح “حزب الله”، الذي لن يسّلم بسهولة بهذا الواقع أيًّا تكن المعطيات، ولن يتخلّى عن “مكتسبات” ما حصده من نتائج ميدانية في مشاركته عسكريًا في الحرب السورية. فبهكذا معطيات موضعية يمكن الإستنتاج بأن الرئيس بري لن يدعو على الأقل في المدى المنظور إلى جلسة إنتخابية جديدة، حتى ولو إجتمع مجلس النواب تلقائيًا في آخر عشرة ايام من إنتهاء ولاية العهد الحالي، بإعتبار أن “التوافق المطلوب” غير مؤّمنة ظروفه الطبيعية. 

 

فقراءة “حزب الله” لمشهدية جلسة الخميس لا تختلف في الشكل عن قراءات أخرى، بإستثناء أنه قادر دون سواه على قيادة محوره السياسي بما يتناسب مع تطلعاته للحلّ الشامل في لبنان، ومن ضمنها رئاسة الجمهورية، مع الأخذ في الإعتبار، موضوعيًا، تجربته في الحكم من خلال دعمه المستمرّ، وحتى آخر لحظة، لحكم الرئيس ميشال عون، وللحكومات المتعاقبة، التي كان مشاركًا فيها، وهي تجربة يُقال إنه إستفاد منها كثيرًا، إلى درجة أن البعض يقوّله ما لم نسمعه منه مباشرة: “التوبة غلطة وما بقى نعيدا”.    
 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *