يسيطر القلق على عددٍ كبير من اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا إثر كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومسؤولين بارزين في حكومته الأسبوع الماضي عن رغبتهم في ترحيل الملايين منهم قبل موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستشهدها تركيا في يونيو المقبل، حيث يتخوف هؤلاء من إعادتهم قسراً لاسيما بعد إعلان وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو عن ضرورة إجراء “مصالحةٍ” أو “اتفاقٍ” بين النظام السوري ومعارضيه وهو إعلان جاء بعد أيامٍ من كشفه عن لقاء جمعه بوزير خارجية النظام فيصل المقداد نهاية العام الماضي.
وتحظى مسألة اللاجئين السوريين بأهمّية كبيرة لدى الرئيس التركي وحزبه الحاكم “العدالة والتنمية”، إذ يحاول تخفيف الضغوط الشعبية على حزبه مقابل أن يكسب المزيد من الأصوات خلال الانتخابات المقبلة إذا ما تمكن من ترحيل أعداد كبيرة من اللاجئين يرفض أعضاء من حزبه وجودهم على الأراضي التركية.
حذف الانتقادات
وقال لاجئ سوري يقيم في اسطنبول إن “أول ما ينبغي على اللاجئ فعله في تركيا قبل ترحيله هو حذف كل منشوراته المعارضة للنظام وصوره في التظاهرات التي شارك فيها قبل سنوات في حال كان قد نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي لأنه قد يواجه الترحيل إلى مناطق يسيطر عليها النظام السوري في أي وقت، حيث ستبدأ الأجهزة الأمنية بمحاسبته”.
وأضاف الشاب البالغ من العمر 37 عاماً لـ “العربية.نت” أن “عدداً من معارفه أجروا تسوية مع النظام عبر لجان المصالحة، إلا أنهم اعتقلوا رغم ذلك وانقطع التواصل معهم بعد دخولهم لمناطقٍ تخضع لسيطرة النظام”، مردفاً “هذا ما يجعلنا نعيش في قلقٍ كبير لاسيما مع عدم وجود ضمانات أمنية لكل من يعود”.
لاجئون سوريون في تركيا (أرشيفية- فرانس برس)
كما رأى أن “الترحيل قد يبدو أمراً حتمياً إذا ما نجحت محاولات أنقرة والنظام السوري في إعادة تطبيع العلاقات بينهما”.
استدارة كبيرة
من جهته وصف خورشيد دلي، الخبير في الشؤون التركية، مساعي الحكومة التركية بإعادة تطبيع العلاقات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد بـ “استدارةٍ كبيرة”.
وقال دلي لـ “العربية.نت” إن “هذه الاستدارة صدمت اللاجئين وقد دفعت المئات منهم بالتوجه إلى أوروبا عبر طرقٍ غير شرعية وهناك أنباء تتحدث عن موجة هجرة جديدة من تركيا باتجاه الأراضي الأوروبية”.
كما اعتبر أن “ما يزيد القلق والخوف لدى اللاجئين يكمن في إمكانية أن تضحي بهم أنقرة مقابل إعادة علاقاتها مع دمشق خصوصاً في ظل استهدافهم وتزايد خطاب الكراهية بحقهم من الحزب الحاكم في تركيا ومعارضيه خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات التركية”.
وأضاف أن “المنظمات الدولية التي ترفض إعادة اللاجئين قسراً إلى بلدهم، دورها محدود وليس لديها أي سلطة أو قرار، وبالتالي لن تستطيع اتخاذ خطواتٍ لتخفيف معاناتهم إذا سارت الأمور نحو التفاهم بين دمشق وأنقرة”.
إعلام المعارضة
وليس اللاجئون وحدهم من سيكونون ضحية أي تقاربٍ محتمل بين دمشق وأنقرة، إذ يضاف لهم وسائل الإعلام السورية المعارضة التي تتخذ من عددٍ من المدن التركية مقرّاً لها لاسيما اسطنبول.
وفي هذا السياق، قال دلي إن “تصريحات وزير الخارجية التركي ومن ثم تصريحات الرئيس أردوغان، أحدثت صدمة أيضاً في أوساط المعارضة السورية وخاصة وسائل الاعلام التي تتبع لها لأن تركيا تعتبر المركز الرئيسي لهذا النشاط”.
كما أضاف أن “هذه المؤسسات بدأت تخشى من أن تكون ضحية أي تقارب بين الجانبين لاسيما أن الاتفاق بينهما سيتضمن اتفاقات بخصوص النشاط الإعلامي للمعارضة السورية في تركيا وهي ربما تجد نفسها في امتحان حقيقي نتيجة ذلك”.
أردوغان والأسد
سيناريو “الإخوان”
إلى ذلك، لم يستبعد الخبير في الشؤون التركية أن تواجه وسائل إعلام المعارضة مصير وسائل إعلام جماعة “الإخوان” المصرية حينما أغلقت تركيا عدد من منصاتها ورحّلت أبرز القائمين عليها خارج أراضيها.
وشدد على أن “ما حصل مع إعلام الإخوان قد يتكرر مع إعلام المعارضة السورية وإذا ما تقدّمت التفاهمات بين أنقرة ودمشق، فسيؤدي ذلك إلى اتخاذ الجانب التركي إجراءات ضد هذه الوسائل الإعلامية سواءً من جهة تدخلها في خطابها الإعلامي كي تفسح المجال للتقدم في العلاقة مع سوريا أو من جهة طرد وترحيل الإعلاميين الذين يشرفون عليها”.
شتاء مليء بالمفاجآت
بدوره وافق الصحفي السوري، علي نمر، المقيم حالياً في ألمانيا، على ترجيحات دلي.
وقال لـ “العربية.نت” إن “تركيا ليس لديها ثوابت في مختلف القضايا، وهي تتحول 180 درجة بناءً على مصالحها، ولا تهمها لا وسائل الإعلام السورية المعارضة، ولا كتلها السياسية، وبالتالي فالقضية لم تعد تتوقف على البراغماتية الأردوغانية، وإنما بالصفة التركية المرتقبة، وهو ما يعني أن تكميم أفواه المعارضة السورية وقنواتها أسهل بكثير في حالات سبقتها، كما جرى مع الإخوان سابقاً”.
لاجئون سوريون في تركيا (أرشيفية- فرانس برس)
كما اعتبر أن “تركيا لم تنظر إلى السوريين إلا كمرتزقة، وعملت على تدمير البنية الاجتماعية للمجتمع السوري، ولصق صفة الارتزاق به، وزرع الفتن بين مكوناته عبر سيطرتها شبه الكاملة على السياسات التحريرية لمختلف وسائل الإعلام السورية العاملة على أراضيها، لذلك أيّ توافق محتمل بينها ودمشق، يعني أننا على موعدٍ مع شتاء مليء بالمفاجآت على تلك الوسائل”.
وتابع قائلا: “باعتقادي أن التجربة القريبة الماثلة أمام أعيننا، تؤكد أن هذه المؤسسات ستواجه مصير وسائل الإخوان ذاته، إلا في حالة واحدة بحيث تبقى، لكن مقابل أن تغير من سياساتها التحريرية رأساً على عقب في ما يتعلق بالنظام السوري”
يشار إلى أن تركيا تحاول منذ مدة إعادة تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، وقد أعلنت أنقرة عن وجود تواصل استخباراتي مع الجانب السوري عقب كشف وزير خارجيتها عن لقاءٍ جمعه بنظيره السوري قبل أشهر.
إلا أنه حتى الآن، لم تثمر محاولات الجانبين التركي والسوري عن الوصول لأي اتفاقٍ بينهما رغم موافقة أنقرة على التفاوض مع الأسد دون شروط.
التعليقات