يلينا، طبيبة أطفال وأم، تعيش في شيفيلد في المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، وكانت تتعايش أصلاً مع إعاقات متعددة ناتجة عن مرض التهابي ذاتي عندما تم تشخيص إصابتها بالسرطان في عام 2009.
تقول هيلينا: “تحوّلت من طبيبة أطفال وأم ورياضية مفعمة بالنشاط والحيوية إلى شخص مقعد. كنت مستقلة بنفسي للغاية وكنت مصممة جداً – كامرأة – على أن أكون قدوة لأبنائي. أعتقد أن ذلك ما ينبغي أن نتعلم التشبث به، أنك في الداخل ما زلت أنت لم يتغير فيك
شيء”.
هيلينا واحدة من ستة أشخاص يروون قصصهم في وثائقي مصور قصير يسلط الضوء على تجارب الأشخاص المتعايشين مع الأمراض غير السارية وحالات الصحة النفسية حول العالم. فالأشخاص الذين
يعيشون التجربة بإمكانهم أن يسهموا بخبرة قيّمة وقصص ملهمة عن كيفية إدارة وتحسين صحتهم وصحة الأفراد المشابهين لهم في مجتمعاتهم المحلية. ويمكن الاستفادة من أفكارهم المستقاة من تجاربهم لتشكيل السياسات وتحسين البرامج الصحية وإلهام الآخرين للمساهمة بدورهم.
وتلتزم منظمة الصحة العالمية (المنظمة) بدفع مسار المشاركة الفعلية للأفراد المتعايشين مع الأمراض غير السارية وحالات الصحة النفسية في شتى أنحاء العالم، وقد طورت مؤخراً مجموعة من الأنشطة والمنابر لدعم هذا الهدف. وكان آخرها سلسلة أفلام جديدة حول هذا الموضوع
بجميع اللغات الست الرسمية للأمم المتحدة.
الوثائقي الكامل مدته 30 دقيقة وعنوانه “لا قرارات بشأننا دون مشاركتنا: الاستماع لأصحاب التجربة والتعلم منهم”، شاهده على قناة المنظمة على اليوتيوب
السكري من النمط 2 في بيئة متغيرة: تجربة علي في لبنان
في بلدية الغبيري في لبنان، يحفز علي الآخرين في مجتمعه المحلي على ممارسة الرياضة وتحسين نوعية طعامهم وتبني خيارات معيشية صحية، بعد تشخيصه بالسكري من النمط 2 في عام 2017.
ويقول علي “قد لا يعتني الناس بصحتهم، ليس لأنهم غير قادرين على شراء الأدوية أو على توفير الأغذية الصحية. بل قد تتوفر لهم كل الأدوات اللازمة ولكن لا يتسنى لهم الاستفادة منها لأسباب نفسية كامنة”.
ويمتلك الأفراد والمجتمعات المحلية من ذوي التجربة الحياتية المباشرة في التعايش مع الأمراض غير السارية وحالات الصحة النفسية مفتاحَ تصميم التدخلات الصحية الفعالة والشاملة والمنصفة التي لا تترك أحداً خلف الركب. ومن شأن أصواتهم أن تفتح الباب أمام فرص عديدة
لتجاوز العراقيل التي تحول دون إتاحة الرعاية الصحية واستدامتها. ويعدّ حق الشخص في المشاركة في رعايته الشخصية جزءاً أساسياً من حق الإنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه.
شاهد قصة علي
العنف الجنساني والصحة النفسية: تجربة حواء في نيجيريا
تعرّضت حواء، الداعية في مجال الصحة النفسية وحقوق الإنسان في نيجيريا، إلى اعتداء جنسي في عام 2013 وشُخّصت إصابتها باضطراب ثنائي القطب بعد ذلك بعامين.
تقول حواء، مناشدةً مقرري السياسات والمهنيين الصحيين: “نحن أعلم بما هو أصلح لنا. لذلك ينبغي إعطاء الأولوية لاحتياجاتنا وخياراتنا وأصواتنا وتجاربنا. يجب أن نخبركم ما هو الدعم بالنسبة إلينا. يجب أن نخبركم ما الذي يعنيه لنا النظام العادل والمنصف. يجب أن نخبركم
ما الذي تعنيه لنا المعاملة القائمة على احترام حقوق الإنسان”.
ووسط مشهد الصحة العالمية المعقد والمترابط، تشكّل المشاركة الفعلية لذوي التجارب الحياتية ركناً أساسياً. ففي ظل وباء الأمراض غير السارية العالمي وجائحة كوفيد-19 والإجحافات الصحية المستمرة، يصبح فهم المحددات المعقدة للحالات الصحية والتمسك بمبادئ الاحترام
والقيمة والكرامة أمراً حاسم الأهمية.
شاهد قصة حواء
السكري من النمط 1 والجيل القادم من القادة: تجربة مارك في البرازيل
يستحضر مارك، نائب رئيس الاتحاد الدولي لداء السكري في البرازيل، ذكرياته قائلاً: “عندما تم تشخيصي، كان [..] من الصعب التعامل مع الوضع الذي أصبح اليوم وضعي. ورغم أني كنت أرى أشخاصاً آخرين مصاباً بالسكري […] فقد كانوا أكبر مني سناً بكثير ولم أكن أعرف أي
شخص في سني مصاباً بالسكري. لذلك لم يكن من السهل علي مواجهة الأمر”.
المشاركة الفاعلة لذوي التجارب تولي الاهتمام أيضاً لأصوات الفئات والمجتمعات المحلية المهمشة أو المهملة. فالشبكات المجتمعية تقوم بدور حيوي في إيصال المعلومات والدعم الحيويين للأشخاص المعنيين وإزاحة الحواجز والعزلة.
شاهد قصة مارك
العمل المجتمعي لمكافحة سرطان الثدي: تجربة لافيرن في أستراليا
تعكف لافيرون، الناجية من سرطان الثدي والقائدة المجتمعية من ردفيرن، أستراليا، على تنظيم أنشطة التحري وتعزيز الصحة في أوساط نساء السكان الأصليين.
وتقول: “خصصنا أياماً لفحوص تحري سرطان الثدي حيث نجلب معنا باص التصوير الشعاعي للثدي، ونتناول الغداء معاً ونصطحب معنا أخصائيات الحلاقة والتجميل. نجعله يوماً خاصاً للنساء، مما يُشعرهن بالحرية ويتيح لهن تبادل الحديث فيما بينهن. نساء السكان الأصليين، كما
تعلم، شابات لا يروق لهن الذهاب للعيادات وخلع كل ملابسهن للخضوع للفحص”.
لا شك أن المشاركة الحقيقية وتصميم السياسات الصحية بالتشارك ينطويان على نقلة نوعية للفرد من مجرد مستخدم سلبي إلى عامل تغيير يحظى بالقيمة والتمكين. أصحاب التجارب الحياتية لا يحتاجون إلى مقعد على طاولة القرار فحسب، وإنما ينبغي تمكينهم من توجيه دفة العمليات
والمشاركة في وضع البرامج وتنفيذ الحلول الملائمة لمختلف السياقات.
شاهد قصة لافيرن
الدعوة لمكافحة مرض القلب الروماتزمي: تجربة آنو في نيبال
تقول آنو غومانجو، العاملة في مجال الصحة العامة وخرّيجة نيبال التي تم تشخيص إصابتها بمرض القلب الروماتزمي منذ كانت في الحادية عشر من عمرها: “أتعلم الآن كيف اضطلع بدور الدعوة في هذا القطاع، [..] عندما علمت أن ليس جميع الأشخاص المصابين بمرض القلب الروماتزمي
موحّدون وأنهم يفتقرون إلى إطار يجمعهم أو نظام للدعم”. وتضيف قائلةً “إذا كان بوسعنا التجمع معاً سنتمكن من تبادل الحديث عما نواجهه من تحديات وعن تجاربنا، فمشكلتي قد تكون حلاً لمشكلة شخص آخر”.
ورغم التقدم المحرز مؤخراً في هذا المجال، لم تنتقل المشاركة الفعلية من طور النوايا إلى واقع الفعل مما يخاطر ببقائها في حيز التنظير.
شاهد قصة آنو
تسريع وتيرة العمل فوراً: تجربة هيلينا في المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية
تقول هيلينا عن خلاصة تجربتها في المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية: “ما أتطلع إليه للمستقبل هو أن يشعر كل شخص مصاب بمرض من الأمراض غير السارية بقيمته وأن يشارك في قرارات رعايته ويوصل صوته بشكل أقوى إلى مقرري السياسات؛ أن يتم إشراكه بشكل
أكبر بكثير من البداية”.
شاهد قصة هيلينا
المشاورات الإقليمية والدراسات الإفرادية وإطار جديد للمشاركة الحقيقية
في مطلع عام 2022، شاركت آلية التنسيق العالمية للمنظمة بشأن الأمراض غير السارية في إطار المنصة العالمية للأمراض غير السارية، في تنظيم عدة مشاورات إقليمية وأفرقة تركيز مخصصة في جميع أقاليم المنظمة.
وتقول الدكتورة سفيتلانا أكسرلورد، مديرة المنصة العالمية للأمراض غير السارية لدى المنظمة “أصبح من الواضح اليوم أكثر من أي وقت مضى أن الأشخاص المتعايشين مع الأمراض غير السارية يواجهون صعوبات في تحقيق مشاركة فعلية. وما كنا نفتقر إليه هو خريطة طريق واضحة
للإجراءات اللازمة، إلى جانب إقامة الوصلات اللازمة بين جميع مستويات المنظمة والدول الأعضاء فيها. وقد وُضعت خريطة الطريق الآن وهو إنجاز كبير”.
وتصبّ الأفكار والرؤى المستمدة من جميع المشاورات والفلم في الجهد الرامي إلى إعداد إطار المنظمة بشأن المشاركة الفعلية للأشخاص المتعايشين مع الأمراض غير السارية وحالات الصحة النفسية، الذي يُعتزم إصداره في عام 2023.
وتركز المشاركة الفعلية للأشخاص المتعايشين مع الأمراض غير السارية وحالات الصحة النفسية على تنوع الأفراد والمجتمعات وتكاملها. وتتقاطع بعض جوانب الهويات الاجتماعية والسياسية، مثل النوع الاجتماعي والعرق والدين والحالة الاقتصادية الاجتماعية، على سبيل الذكر
لا الحصر، وتفضي إلى أشكال متعددة للقوة والامتياز.
ومن خلال فهم هذه الطبقات ووجهات النظر المتعددة وإدماجها، يمكن لمقرري السياسات ومهنيي الصحة ومقدمي الرعاية الصحية والأفراد ذوي التجارب الحياتية الانتقال من نموذج الرعاية الهرمية التقليدي أو نموذج الرعاية القائم على مقاس واحد للجميع إلى العمل المشترك على
تصميم البرامج والسياسات والخدمات الصحية.
التعليقات