وصلت الغواصة الهندية المعنية بالبحث عن حطام قارب الهجرة المنكوب قبالة سواحل طرابلس اللبنانية، وجثث نحو 30 ممن غرقوا معه في نيسان/أبريل الماضي. طاقم الغواصة باشر العمل وحدد موقع القارب وأماكن سبع جثث، لم يتم انتشالها بعد كونها في حالة تحلل متقدمة. أعمال البحث أعادت تسليط الضوء على ملف الهجرة من لبنان، خاصة مع ارتفاع المحاولات مؤخرا وسط أزمات سياسية واقتصادية غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
بعد طول انتظار، وصلت الغواصة الهندية الموكلة مهمة البحث عن ضحايا قارب الهجرة الذي غرق قبالة سواحل طرابلس في 23 نيسان/أبريل الماضي، وباشرت مهمتها التي يتابعها أهل الضحايا بكافة جوارحهم.
طاقم الغواصة عثر الأسبوع الماضي على سبع جثث، من أصل نحو 30 يعتقد أنهم غرقوا مع حطام القارب.
سكوت ووترز، قائد الغواصة، قال خلال في مؤتمر صحفي في مدينة طرابلس يوم الجمعة الماضي إن الجثة الأولى التي عثر عليها كانت خارج الحطام وهي في حالة تحلل متقدمة.
وأضاف أن الطاقم تمكن من تحديد موقع ست جثث أخرى داخل حطام القارب المتناثر في قاع البحر. وافترض القبطان أن بعض الضحايا ممن حاولوا الهرب قبل الغرق قضوا عند “تشابكهم” في بطن القارب، ولم يتمكنوا من الخروج في الوقت المناسب.
وتحدث ووترز عن لحظة حزينة للغاية، مع اكتشاف جثة شخصين “متشابكين وأذرعهما حول بعضهما. ماتا وهما يمسكان ببعضهما”. ولفت إلى أن التعامل مع الجثة الأولى كان دقيقا للغاية، لكن عند محاولة انتشالها تناثرت، فأخذت منها قطع ملابس فقط.
وأضاف أن الفريق صور القارب من عدة جوانب، متحدثا عن صعوبات جمّة تواجه انتشال الجثث كونها متحللة.
الأعمال مستمرة
توم زريقة، رئيس جمعية AusRelief الخيرية الأسترالية التي ساعدت في جلب الغواصة إلى لبنان، قال خلال المؤتمر الصحفي إن القارب كان “مطمورا بالطمي لدرجة كبيرة”، ما يجعل من الصعب استعادته.
وأورد أن الخطوة التالية تتمثل بانتشال القارب الغارق، الأمر الذي اعتبره “مهمة صعبة”.
بدوره، قال قائد البحرية اللبنانية العقيد هيثم ضناوي، إن جميع لقطات الفيديو التي التقطتها الغواصة سيتم تسليمها إلى القضاء المختص الذي يتابع التحقيقات في تلك الحادثة.
وعرض قائد البحرية مع قائد الغواصة الهندية والنائب عن الشمال أشرف ريفي ومدير عمليات الإغاثة توم زريقة في المؤتمر الصحفي آخر نتائج عمليات البحث.
وقال ضناوي إن طاقم الغواصة عثر الخميس على المركب، على عمق 459 مترا.
للمزيد>>> قوارب جديدة تغادر السواحل اللبنانية باتجاه إيطاليا
من جهته، تحدّث النائب عن طرابلس أشرف ريفي عن صعوبات انتشال الضحايا، مشددا على أنّه “سوف نبذل كلّ جهدنا لانتشال ما يمكن انتشاله وتسليمه للأهالي بهدف بلسمة جزء من جراحهم، هم الذين يريدون الحصول على أيّ أثر للجثث حتى يتمكنوا من دفنها وقراءة الفاتحة عليها والصلاة عليها”.
وأضاف أن “المهمة اليوم تأتي في سياقين”، الأول إنساني يتمثل بتحديد موقع القارب وانتشال جثث الضحايا، والثاني قضائي يتمثل بمعرفة ملابسات الفاجعة. وتابع النائب أن قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون ملتزم بتحقيق شفاف وجدي وموضوعي من دون أيّ تدخل، وقد طلب من الطاقم تصوير الزورق من كل جوانبه لاستكمال التحقيقات.
“لم أعد أطيق البقاء في لبنان”
وكان غرق القارب في نيسان/أبريل الماضي، الذي كان يحمل حوالي 80 لبنانيا وفلسطينيا وسوريا، أكبر مأساة متعلقة بالهجرة تشهدها السواحل اللبنانية في السنوات الأخيرة، أثارت الكثير من ردود الأفعال والجدال في وقت ترزح فيه البلاد تحت وطأة أزمات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة، وزعزعت ثقة الجمهور في الدولة ومؤسساتها وقدرتها على مواجهة أحداث مماثلة.
للمزيد>>> فاجعة غرق قارب مهاجرين قبالة لبنان…” زوجتي وأطفالي أول من غرق”
كما أحاطت بالقارب المنكوب هالة من الجدال الداخلي مع اتهام عدد من أهالي الضحايا والناجين الجيش اللبناني بالمسؤولية عن غرقه، أثناء محاولة دورية تابعة للبحرية اعتراضه بالقوة، في حين يؤكد الجيش أن القارب اصطدم بسفينة الدورية أثناء محاولته الهرب.
أحمد سبسبي، أهد المهاجرين الناجين من فاجعة القارب، قال لمهاجر نيوز في وقت سابق “أبحرنا مع غروب الشمس … لحوالي ساعتين حتى وصلنا لحدود المياه الإقليمية. اعترضنا خفر السواحل اللبناني عبر زورقين أحدهما كبير وآخر مطاطي، وحاولوا منعنا من إكمال طريقنا، ومع عدم تمكنهم من ذلك، تعمدوا صدم قاربنا مرتين كانتا كافيتين لإغراق القارب بسرعة”.
“في البداية لم ندرك أن القارب سيغرق وأن الصدمة أثرت في هيكله بشكل كبير. لم يكن الجميع يرتدي ستر نجاة. في بداية الرحلة كنا قد وضعنا النساء والأطفال، ومنهم زوجتي ريهام دواليبي 25 سنة وأطفالي ماسة (9 سنوات) ومحمد (7 سنوات) وجاد (4 سنوات) الغرفة السفلية للقارب. لم ينج منهم أحد. كنا في الأعلى ولم ندرك حتى أن الماء يتدفق بقوة إلى الغرفة السفلية. استطاع بعض من كان على سطح القارب السباحة نحو زورق خفر السواحل وغرق الباقي”.
ويضيف “أعيش بألم دائم على فراق أطفالي وزوجتي، وأنتظر كل يوم خبراً عنهم. أحلم فقط برؤيتهم لأودعهم. أنا لم أعد أطيق البقاء في لبنان”.
قوارب الهجرة لم تتوقف
وفي سياق متصل، وعلى الرغم من فداحة المأساة التي مازالت طرابلس تحاول التأقلم معها، أعلنت السلطات اللبنانية يوم الأربعاء 24 آب/أغسطس، عن توقيف 113 شخصا في بلدة ببنين في عكار، كانوا بصدد التحضير لمحاولة هجرة باتجاه أوروبا.
قيادة الجيش أوردت أن الموقوفين، وبينهم نساء وأطفال، من الجنسيات اللبنانية والسورية والفلسطينية.
وأمس الأحد 28 آب/أغسطس، انتشرت أخبار في مدينة طرابلس أيضا تفيد بتعرض قارب كان قد انطلق قبل أيام إلى إيطاليا، لصعوبات في البحر.
وسائل إعلام محلية لبنانية أوردت أن أقارب وذوي عدد من المتواجدين على متن ذلك القارب أكدوا أنهم بخير، وأنهم مازالوا في البحر ويواصلون طريقهم باتجاه السواحل الإيطالية.
وعلى الرغم من المخاطر الهائلة المترتبة عن عمليات الهجرة بذلك الشكل، إلا أن كثيرين من اللبنانيين واللاجئين المقيمين في لبنان يجدون أنها السبيل الوحيد لبناء المستقبل الذي يطمحون إليه، في وقت لم يعودوا قادرين على تأمين أبسط مقومات العيش في لبنان.
ويشهد لبنان منذ 2019 أزمة اقتصادية غير مسبوقة بتاريخه، وصفها البنك الدولي بالأولى من نوعها منذ أواسط القرن 19، ارتفعت نتيجتها معدلات الفقر والبطالة لتطال أكثر من 80% من المقيمين على الأراضي اللبنانية، ومعها معدلات الهجرة الشرعية وغير النظامية.
التعليقات