المصدر: العرب اللندنية
تؤشر حدة الخلافات السياسية بشأن استكمال الاستحقاقات الدستورية (رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية) على دخول لبنان في فترة فراغ مؤسساتي، قبل أيام فقط على انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، وفي ظل حكومة تصريف أعمال تبدو مقيدة إلى حد كبير في تسيير شؤون الرئاسة، ما يعمق متاعب اللبنانيين.
واعتبر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الثلاثاء أن حكومة تصريف الأعمال لا يمكنها تولي صلاحيات رئاسة الجمهورية في حال الشغور، لأنها فاقدة لشرعيتها.
وقال باسيل إن “من يظن أن حكومة تصريف الأعمال ستتولى صلاحيات الرئاسة مخطئ، فهذا مس بالدستور، وهي هيئة دستورية فاقدة لشرعيتها وميثاقيتها”.
وأعلن أن رئيس حكومة تصريف الأعمال “يريد بالتحدي حكومة تأخذ صلاحيات رئيس الجمهورية وأخذ البلد إلى فتنة، تماما كمن يريد رئيس تحدّ، هذه مجزرة دستورية لن نسمح بها وسنواجهها بكل ما أوتينا من قوة”.
وفي حالة حدوث فراغ، تنتقل السلطات الرئاسية إلى الحكومة التي يرأسها نجيب ميقاتي. لكن حكومة رئيس الوزراء ميقاتي يقتصر دورها على تسيير الأعمال منذ الانتخابات البرلمانية في ايار.
ويقول محللون إن هذا يعني عدم قدرتها على اتخاذ قرارات كبيرة تتضمن إبرام اتفاقات دولية. وقد يؤدي ذلك إلى تعقيد الانتهاء من مسودة اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتقديم مساعدات مطلوبة بشدة، بافتراض قيام الساسة الحاكمين في نهاية الأمر بتنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها واللازمة لإبرام الصفقة.
ويرى مراقبون أن باسيل يتخذ من الإفراج عن المؤسسات الدستورية ورقة لتحصيل مكاسب سياسية، إذ إنه لا يزال يعتبر نفسه مرشحا طبيعيا لخلافة عون في قصر بعبدا، رغم عدم تحمس حلفائه (حزب الله – حركة أمل) لتزكيته.
ويؤكد هؤلاء أن انتخاب رئيس جديد للبنان مرتبط بشكل أساسي بتشكيل حكومة جديدة يكون للتيار الوطني الحر فيها تمثيل وازن، رغم تراجع نتائجه الانتخابية وشعبيته داخل بيئته المسيحية، وهو ما يرفضه ميقاتي الذي بقي منفتحا على تحويرات في التركيبة الحكومية المقترحة، والتي رفضها الرئيس عون في وقت سابق.
وساءت علاقة التيار برئيس الحكومة المكلف منذ أن قدم الأخير قبل شهرين تشكيلة حكومية للرئيس عون تضمنت تقليص حصته في الكابينة الحكومية، تماشيا مع التراجع الذي شهده الحزب خلال الانتخابات التشريعية التي عقدت في الخامس عشر من ايار الماضي.
ووفق التشكيلة الحكومية المقدمة، سحب ميقاتي وزارة الطاقة من التيار الوطني الحر، وهو ما اعتبره الأخير تحاملا عليه.
وليست وزارة الطاقة وحدها سبب الخلاف المحتدم بين ميقاتي وباسيل، والذي امتد بدوره إلى رئاسة الجمهورية كون الرئيس عون الذي تنتهي ولايته في الحادي والثلاثين من تشرين الاول القادم هو مؤسس التيار الوطني الحر، وسيعود إلى رئاسته عقب انتهاء عهدته.
ولفتت مصادر إلى أن المشكلة لا تزال عند مطالبة الرئيس عون بإبقاء وزارة الطاقة من حصته وحصة التيار الوطني الحر أو استبدال وزارة الداخلية بها، وهو ما يرفضه ميقاتي الذي منحها لشخصية سنية في التشكيلة التي قدّمها لعون والمؤلفة من 24 وزيرا، وأبقى وزارة الداخلية مع الطائفة السنية.
ويشير هؤلاء إلى أن تعطيل تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة والإبقاء على حكومة تصريف الأعمال الحالية يخدمان أجندات عون، باعتبار أن التيار يتمتع فيها بثقل وزاري يمكّنه من تعطيل مهام الحكومة في حال أوكلت إليها مهام إدارة شؤون الرئاسة.
ويطالب باسيل مسبقا بمعرفة موقف رئيس الحكومة ووزير المالية من رفع الغطاء والحماية عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لإقالته.
كما يطالب بالتزام رئيس الحكومة ووزير العدل ووزير المالية بتسهيل إنهاء التحقيق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت المجمد حاليا، بسبب الدعاوى المرفوعة من بعض الشخصيات الملاحقة من قاضي التحقيق، ضد الأخير، والعالقة في الهيئة الاتهامية في محكمة التمييز.
ويصر باسيل على وجود السياسيين في الحكومة، وهو ما يعكس رغبته بأن يكون وزيرا فيها من أجل مشاركة رئيس الحكومة في الحصول على صلاحيات الرئاسة عندما يستجدّ فراغ رئاسي، وبالتالي يكون له دور في اختيار الرئيس المقبل عن طريق تأثيره في قرارات الحكومة ونفوذه فيها إذا طال هذا الفراغ، طالما يتعذر انتخابه هو بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليه منذ تشرين الثاني2020.
ويبدو حزب الله، غير مستعجل للتسوية السياسية، عدا بعض المساعي التي يقودها حليفه رئيس البرلمان نبيه بري لتقريب المواقف.
ولم يعلن حزب الله إلى حد الآن مرشحه للرئاسة، رغم فشل البرلمان اللبناني أربع مرات في انتخاب رئيس جديد، فيما لا تبدو تحركاته خلف الكواليس جدية للتسريع في تشكيل الحكومة الجديدة.
ويقول متابعون إن حزب الله يفضل عدم حسم توجهاته الرئاسية والحكومية على التعجيل بها دون وضوح المقاربة الدولية والإقليمية للتعامل مع الأزمة اللبنانية.
التعليقات