التخطي إلى المحتوى

ت + ت – الحجم الطبيعي

ومع اتساع دائرة البودكاست، الذي حرر المستمع من قيود الإذاعة، فإن العيون أخذت تتجه ناحيته بوصفه «باب رزق»، حيث التوقعات كافة تشير إلى إمكانية تحويله إلى مهنة قادرة على إطعام صناع المحتوى، وبحسب تقديرات (EMarketer) فإن العام الماضي انتهى بعائدات إعلانات البودكاست بقيمة 1.13 مليون دولار، أي بزيادة قدرها 45% عن 2020، وتصف دراسة الموقع ذاته بأن «البودكاست ساخن» في منطقة الشرق الأوسط، وإنه أخذ بالتوسع تدريجياً بصورة ملحوظة، مستندة في ذلك إلى ما يشهده المحتوى العربي من ارتفاع في الإنتاج، وهو ما تؤكده إحصاءات موقع البودكاست العربي، والتي أشارت إلى أن «عدد برامج البودكاستات العربية قد ارتفعت من حوالي 300 برنامج في بداية 2018 إلى حوالي 500 برنامج في نهاية 2019، بينما تجاوز عدد البودكاستات العربية الـ639 بودكاست مع نهاية 2019».

منجم

الخبراء في البودكاست وصناعه، يجدون فيه «منجماً» ليس على صعيد العائد المادي وحسب، وإنما من حيث مستوى المحتوى الذي يقدمه للمجتمع، ويعتقدون بأن «البودكاست هي الثقافة المستقبلية التي ستدخل كافة البيوت»، متجاوزاً بذلك الحدود التي التزمت بها الإذاعة، فمن وجهة نظر لينا الحصري، مؤسسة مركز «ثينك سمارت هب» بدبي، فإن «البودكاست يعد أحد وسائط الإعلام الرقمي الجديد»، وتؤكد أن صناعته تطورت بشكل ملحوظ في المنطقة العربية.

وتقول لـ «البيان»: «خلال الفترة الأخيرة شهدت صناعة البودكاست العربي قفزات نوعية وكبيرة في المنطقة العربية، وأصبح لدينا مجموعة كبيرة من القنوات المحلية التي تدعم هذا المجال، وتناقش مواضيع مختلفة في الفنون والثقافة والتعليم والأعمال وغيرها، وأصبح لدينا على أرض الواقع نماذج ناجحة أسهمت في رفع شأن «البودكاست العربي» من خلال ما تركته من تأثيرات واقعية».

وأشارت إلى أن انتشار «البودكاست العربي» أدى إلى ظهور فئة جديدة من صناع المحتوى حاصلين على شهادات ودرجات علمية مهمة. وقالت: «مثل هذه النماذج منتشرة في الإمارات التي تحولت إلى حاضنة داعمة ومشجعة للشباب العربي، الذي مضى في دروب البودكاست لمناقشة عديد القضايا والمواضيع المختلفة التي تهم المجتمع على اختلاف شرائحه».

1717

خلال الفترة ما بين 2019 و2020 تم إطلاق 1717 بودكاست مختلفاً في المنطقة العربية، أدت إلى تسجيل أكثر من 48626 حلقة، إحصائية استندت إليها لينا الحصري لتوضيح المكانة التي وصل إليها البودكاست العربي، مبينة بأن ما يميز البودكاست هو «تحرره من قيود الوسائل الإعلامية التقليدية».

وقالت: «أصبح بإمكان أي شخص الاشتراك في البودكاست، والاستماع إلى ما يفضله، من حول المنطقة والعالم»، مضيفة بأن لـ«البودكاست» تأثيرات أخرى تتمثل في «تعزيز الذاكرة وتنشيطها، بفضل تلقيها كمية عالية من المعلومات المهمة والمفيدة في شتى المجالات»، قائلة: «البودكاست يهدف إلى توسيع فكر الإنسان وزيادة ثقافته وإثراء معلوماته».

لينا التي تمتلك مركزاً يوفر مساحات خاصة لصناع البودكاست، ومجهزة بأدوات ومعدات مختلفة تمكّن صناع البودكاست من تسجيل حلقاتهم، حيث نوهت بضرورة «دعم هذا النوع من الإعلام الجديد»، في ظل تحول «البودكاست» من مجرد هواية إلى مصدر لـ«كسب الرزق».

وتقول: «يتميز البودكاست بانخفاض تكلفته، وسهولة انتشاره واتساعه، وأسهم ذلك في توفير الكثير من فرص العمل للشباب، حيث توجد حالياً جهات عمل عدة توظف «بودكاستر» قادر على التعريف بما تقدمه من خدمات تجارية أو مجتمعية أو غيرها، وهو ما أسهم في تسهيل عملية تشكيل العلامة التجارية ووصولها إلى أكبر شريحة ممكنه من المجتمع، وبالطبع فقد عزز ذلك الثقة بصناع البودكاست»، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن «البودكاست يعتبر مساهماً جيداً في تحسين محركات البحث (SEO) للمواقع، وبالتالي رفع عدد زيارات المواقع الإلكترونية».

واستندت لينا في حديثها عن تحول البودكاست إلى مهنة، إلى استطلاع أجرته مبادرة «بودكاست بالعربي» لدعم المحتوى الصوتي العربي في عام 2019، والذي شمل 661 مشاركاً، حيث ذكر الاستطلاع بأن أعمار مستمعي البودكاست العرب تتراوح بين 18 و34 عاماً، وبنسبة متساوية تقريباً بين الذكور (50.8%) والإناث (49.2%)، كما كان الأغلبية من المتعلمين (حاملي شهادات البكالوريوس وما أعلى) بنسبة 80%، أما بالنسبة لفئة البرامج المفضلة، فقد حظي بودكاست «آبل بودكاست» بأعلى نسبة وهي 39% من المستمعين بينما «ساوند كلاود» احتل المرتبة الثانية بنسبة 16.7%، وفق نتائج الاستطلاع المذكور.

مستمعون

جعبة البودكاست العربي تبدو ملأى بالبرامج التي لقيت نجاحاً لافتاً، ولعل ما حققه بودكاست سلسلة «قصتي» الذي أطلقه مركز الشباب العربي، من نجاحات كفيلاً بفتح العيون على أهمية البودكاست العربي، حيث نجح بودكاست سلسلة «قصتي» المكون من 28 حلقة تعرض تجارب شبابية عربية، في جذب 1.561.476 مستمعاً حول المنطقة، في فترة لم تتجاوز العام، في المقابل، تتقافز أمام عشاق البودكاست العربي، عناوين عديدة كما «ركوة قهوة» لمايا حجيح، و«تيار» لعبد الرحمن العمران، و«نحن من» لعبدالله المستريح، و«السكة» لتركي البلوشي، وغيرها من النماذج الناجحة التي تموج بها المنطقة العربية، حيث تمتاز هذه البرامج بنوعيتها وفرادة القضايا التي تناقشها.

وفي هذا السياق، تقول دانا أبو لين، صاحبة بودكاست «أحاديث بتشبهنا» لـ«البيان» بأن «البودكاست يمثل مساحة جديدة للتواصل مع جمهور مختلف عن التلفزيون»، منوهة بأن البودكاست «يشكل فرصة للحديث عن مواضيع وقضايا مختلفة تتعلق بالكتب أو السينما أو حكايات الناس، وهي الأشياء التي تعتبرها الأقرب إلى قلبها».

وبرغم ذلك تؤمن دانا بأن «البودكاست ليس ظاهرة عابرة وإنما هي مستمرة»، وتقول: «من خلال دراستي وخبرتي في الإعلام تعلمت بأنه لا شيء يلغي سابقه، فلا الصحف انتهت بعد ظهور الراديو، ولا الراديو انتهى بعد ظهور التلفزيون.. ولم تلغِ مواقع التواصل الاجتماعي على اتساعها الإعلام التقليدي»، مضيفة: «بتقديري أن الأفكار الجديدة وظهور المنصات مهم جداً لخلق التحدي الذي يجبر الجميع على الابتكار والعمل الجاد من أجل البقاء»، مؤكدة أنه «طالما يوجد صناع محتوى بودكاست جيدون ومبتكرون وقادرون على التأقلم والتغيّر مع الزمن فلن ينتهي البودكاست».

رسائل

«البودكاست من أنجح قراراتي»، بهذا التعبير وصفت نبال كرم صاحبة بودكاست «من البيت مع نبال»، تجربتها مع صناعة البودكاست التي بدأت بها في 2020، وتقول: «البودكاست وفر لي منصة استطعت من خلالها إيصال رسالتي إلى شريحة كبيرة من الناس»، مبينة بأن «البودكاست ساعدها في تعزيز ذاكرتها ومعلوماتها حول مواضيع مختلفة»، وتواصل: «على مدار 3 سنوات وخلال عملية التحضير للحلقات، مثّل البودكاست مصدراً مهماً لي، فمن خلاله استطعت جمع معلومات كبيرة عن مواضيع اجتماعية وطبية ونفسية، والتي ساعدتني في إحداث نقلة نوعية في حياتي الشخصية».

نبال بينت بأن «البودكاست» لا سيما الخاص بها، يحمل بين ثناياه محتوى ثقافي بحت. وقالت: «كافة البرامج لها هدف محدد ورسالة معينة، وهي تقدم معلومات غنية جداً، وهو ما يجعلني اعتبار «البودكاست، بأنه ظاهرة جميلة ومريحة في ظل سيطرة المحتوى غير المناسب للأجيال الحالية».

وقالت: «بحسب آخر إحصائية نشرها موقع podcast insights يظهر أن مجموع حلقات البودكاست تعدى حاجز 34 مليون حلقة حول العالم، وهي نتاج لمليون ونصف المليون برنامج ثلثها لا يزال نشطاً، وعربياً فإن الإمارات تعد الثانية بعد السعودية بعدد مستمعي البودكاست، وبتقديري أن هذا الانتشار دعا عديد المؤسسات إلى تبني البودكاست من أجل رفع ذائقة الفرد العربي، وذلك انسحب أيضاً على الإذاعات والمحطات الكبيرة التي بدأت بإنتاج بودكاست خاص بها، الأمر الذي يظهر مدى الأهمية التي بات يتمتع بها البودكاست العربي»، منوهة بأن «البودكاست هو المستقبل الذي يجب أن يدخل في ثقافة البيت العربي، في ظل عصر السرعة وضيق الوقت الذي نعيشه حالياً».

اهتمام ملحوظ يحظى به «البودكاست» عربياً، الذي بدا شكلاً جديداً من السرد الرقمي، أسس له قاعدة جماهيرية، فاتحاً بذلك عليه عيون الشباب، الذين أطلوا عبر «البودكاست» بجملة أفكار نوعية، قادرة على مناقشة قضايا مجتمعية وثقافية واقتصادية مختلفة.

المراقب لحركة البودكاست عربياً ومحلياً سيكتشف إنها في تصاعد مستمر، حيث شهدت السنوات الأخيرة قفزات نوعية، زادت من مساحة «البودكاست العربي» على الشبكة، وهو ما تؤكده الإحصاءات التي تشير إلى تضاعف «عدد قنوات البودكاست في العالم من مليون قناة قبل شهر مارس 2020، إلى ما يفوق مليوني قناة في 2021، مع إنتاج أكثر من 47 مليون حلقة صوتية تم بثها»، وفقاً لإحصاءات عرضت خلال مؤتمر «البودكاست العربي» الذي أطلقته منصة بودلاينز في دبي خلال العام الماضي، وخلص إلى تخصيص 7 يوليو من كل عام، يوماً عالمياً للبودكاست العربي.

طباعة
Email




التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *